يقول الخبر : ستقوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بملاحقة ممتدحي المسؤولين المبالغين في الثناء على إنجازاتهم، وأعمالهم الوظيفية وستطال هذه الملاحقة "الشعراء" ولكن الهيئة لم تحدد في أطروحتها ومعالجتها نموذج الشعراء المستهدفين، وكيفية القبض عليهم ومحاكمتهم، ومن المقصود بالملاحقة : شعراء الفصحى أم العامية الأحياء أم الأموات ؟ وهل ستكون محاكمتهم في المحاكم الشرعية أم في سوق عكاظ ؟ وهل ستكون التهمة بيع الأوهام وتعليق القوم في طواحين الهواء أم إحداث التغيير المنشود في وعي الجماهير، والادعاء بامتلاك مفاتيح الحقيقة ، أم ممارسة السلطة والجاه والنفوذ من خلال الخداع والمخاتلة وتعطيل المشاريع الكبرى؟ كما فعل ذلك الشاعر الفاسد الذي حاول إلغاء محطات تحلية المياه في المملكة حين قال قبل ألف عام مخاطباً حبيبته : ولو دفلت في البحر والبحر مالح لصار أجاج البحر من ريقها عذبا ، ترى ماذا ستفعل الهيئة لوطرحت مقارنة صريحة ومفكرنة بين ذلك الشاعر النفعي والغرضي والعاثر والمثير للخيبة وبين جوقة شعرائنا، حين خرج على الشرعية الشعرية وحمولات الذاكرة فأنشد يقول وعمر السامعين يطول ، واصفاً حال مصر بعد أن هزها الزلزال وقيام مسؤول كبير بزيارة المواقع المتضررة فقال فض فوه: مازلزلت مصر من شر ألم بها لكنها رقصت من عدلكم طربا ، كما يسرني أن أدل الهيئة على ذلك الشاعر الذي أشبعنا نرجسية وغروراً وتضليلاً، فجعل البشر رهن إصبعه وهزة رأسه فيقول : ترى الناس إن سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا ، ويبدو أن المذكور يعمل رئيس رقباء في إدارة المرور ويمارس الشعر كأغلب الشعراء ، ولا أظن أن الهيئة ستعفي الشعراء من التأملات الشاردة لبعضهم ، وبالذات من يحسنون المكوث في الأسواق والمجمعات التجارية ، بحثاً عن ملهمة تستحوذ على مشاعره وتحرك الراكد من عواطفه ليقول : أمسي ولست بسالم من طعنة نجلاء أو من مقلة كحلاءِ ، وهل ستقتاد الهيئة ذلك المادح الصارخ والمنتهك حدود العقل وسيادة المنطق ، بحثاً عن الحظوة والمال وهو يأتي بما لم نحتسبه أو نتوقعه حين ذهب إلى باب مسؤول وأنشده قائلاً: ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله . ولكن على الهيئة أن تحسن الظن ببعض الشعراء فأغلب طروحاتهم كما يبدو هي دعوة المسؤولين إلى نبذ المفاهيم الرديئة عند بعضهم ، وتفكيك وإلغاء تلك الحكمة المأثورة " راجعنا بكرة " مما دعا أحدهم ليقول : إذا كنتم للناس أهل سياسة فسوسوا كرام الناس بالرفق والبذل . وأخيراً سمعت أن الشعراء ردوا على قرار الهيئة برسالة قالوا فيها : وإصلاح القليل يزيد فيه ولا يبقى الكثير مع الفساد .