إقبال شعب على الفعاليات الثقافية وترقبهم لمواقيتها وتدفقهم إلى أمكنتها مؤشر على الرقي الفكري والنماء الثقافي والاستزادة المعرفية، وبالطبع كل ذلك يدفع سير العجلة التنموية قدما ويعمل – ولا شك – على تنمية الحس الحضاري والسلوك البشري المصاحب له، لكن مع الأسف ما يحدث عندنا ينبئ بعكس الحالة ويجعلني أحار في عقد مقارنة بين الإقبال الكبير وحمى الشراء التي يقول عنها مالكو دور النشر في معرض الرياض الدولي للكتاب إنها أكبر وأضخم سوق للكتاب في العالم العربي وبين ما سأحسبه معكم الآن وبحسبة "بلدي".

سفير السويد في المملكة يتحدث في لقاء له عن أن بلاده توفر كتابا لكل مولود احتفاء به وتعجيلا بتأطيره ثقافيا وحضاريا، وصقلا لمهاراته القرائية ومن ثَمّ الفكرية، وعلى هذا يعيش الناس في السويد فيما يشبه الأحلام من الرغد المعيشي والتنوع الفكري والفني، وبنظرة مقاربة لما يحدث عندنا وبالحسبة "إياها" شهد معرض الكتاب اندفاعا من كل طوائف المجتمع ومن مختلف شرائحه وطبقاته، جاءوا من كل حدب وصوب، من المدن الكبيرة ومن الأقاليم والمحافظات وحتى القرى النائية والهجر، كلهم حجوا إلى هذه السوق الثقافية العظمى، طافوا حول دور النشر والطباعة، وسعوا في أروقة المعرض ومساراته، ثم تزودوا بخير رفيق للطريق وأصدق جليس، على أن الكتب لم تكن في المتناول، إذ كان سعير الأسعار على أشده، لكنهم وفدوا ليبتاعوا ما حرصوا على جلبه عاما إثر عام، ثم ماذا؟

هاكم إذن: المستوى القرائي لأبنائنا في المرحلة الثانوية ـ أتحدث عن آلية القراءة وليس تنوعها ـ منحدر جدا ويكاد لا يفارق مرحلة التهجي، أقرن ذلك بانخفاض مهول في مستوى القدرة على الحوار وفق قاموس لفظي مؤد وفاعل، وهذا نلحظه في فئة الشباب الذين مثلوا الشريحة الأهم من مرتادي المعرض ـ راقبوهم في مداخلاتهم في البرامج الإعلامية ـ وشاهدوا بأم أعينكم أنواع التلعثم والتأتأة وما يرافقها من انكفاء مصحوب بتعرق قد يصل إلى بوادر سكتة قلبية!

الشارع وما أدراك ما الشارع ؟ لا يمكن أن تجد صبغة حضارية سلوكية تقنعك أن هؤلاء هم أولئك الذين تدافعوا على منافذ المعرض وردهاته ليحظوا بكتاب ممهور بتوقيع مؤلفه، راقب – فحسب - المستوى اللفظي؛ أما السلوك فحدث ولا حرج. فأين تأثير أكبر سوق للكتاب وأكثر شعب يقتنيه؟

الحسبة "البلدي" تبرهن لنا أن إقبالنا على الكتاب ما يزال مرتبطا إلى حد كبير بتحطيم التابوهات الثلاثة، وأن تدفقنا على معرض الكتاب نابع من اعتياد نفسي على التسوق والتسكع في الأسواق التجارية.

نحن ما نزال على العتبات الأولى لنكون حالة ثقافية شعبوية يشار إليها بالبنان، رغم زور تجار الكتب الذين امتطوا ظهر الحقيقة وأفرغوا جيوبنا.