تتجه خريجات قسم القانون للبحث عن وظائف في مكاتب استشارية وشركات تجارية وبنوك مصرفية لعدم السماح لهن بالحصول على رخصة مزاولة المهنة، رغم السماح لهن بالترافع أمام الأجهزة القضائية كوكيلات، وهو حاجز تصطدم به آمال وطموحات كل دفعة تتخرج في جامعات وكليات المملكة.
وفي الوقت الذي تزداد الحاجة إلى محاميات يحتوين قضايا النساء المتزايدة في الطلاق والخلع والحضانة والميراث، بعد أن برهنت التجارب أن الحياء يحول بين الرجل كمحام وموكلته في التعامل بأريحية، يظل الحصول على ترخيص مزاولة المهنة والترافع أمام القضاء معلقا، بل مانحا الفرصة لآلآف "الدعوجية" الذين لا يحملون شهادات علمية أو تراخيص مهنية إنما بموجب الوكالات.
وكانت وزارة العدل قد أعلنت في وقت سابق عن منح السعوديات تصاريح لمزاولة مهنة المحاماة وفق ضوابط المحاكم الشرعية، إلا أنه لم يتم صدور القرار أو تفعيله.
"الوطن" رصدت توجهات خريجات الأقسام القانونية، وأستطلعت آراء أكاديميين ومحامين وقضاة حول الوضع الحالي والمستقبل القريب ورأي الشرع.
تأثير اجتماعي إيجابي
رئيسة قسم الدراسات القانونية بكلية دار الحكمة بجدة الدكتورة وحي فاروق لقمان ترى أن تخريج أول دفعة من القسم خطوة جبارة في الطريق إلى إقناع الجهات المعنية بمنح المحاميات ترخيص مزاولة المهنة.
وتبين أنه بإمكان الخريجات العمل في أي جهة كمستشارات قانونيات، وقالت "يسمح لهن بالترافع أمام الأجهزة القضائية كوكيلات، لكنهن ما زلن في انتظار صدور قرار من وزارة العدل للسماح لهن باستصدار رخص محاماة تمكنهن من فتح مكاتب استشارات قانونية تحت أسمائهن، فلا يسمح أن تضع المحامية السعودية لوحة باسمها على أي مكتب استشاري قانوني خاص بها لعدم حصولها على الرخصة التي تخولها أيضا من تحقيق حلمها بالترافع أمام الأجهزة القضائية".
وترى لقمان أن السماح للمحامية بالحصول على رخصة مزاولة سيحدث تأثيرا إيجابيا في المجتمع بشكل عام وفي مجال القانون بشكل خاص، وقالت "هناك فئة اجتماعية داعمة ومؤيدة لعمل المرأة في هذا المجال الذي سيخدم السيدات بوجود مثيلات لهن أكثر تفهما لظروفهن ومعاناتهن من الرجال، فالمرأة بطبيعتها الأنثوية تخجل من التعامل مع الرجل عن قرب وفيما يتعلق بمشكلاتها الخاصة، بينما تشعر بالراحة إذا ما تحدثت إلى إمرأة تتفهم معاناتها"، وتتوقع لقمان للمحاميات السعوديات النجاح في العمل لأن طبيعة المرأة تختلف عن الرجل عندما تتسلم قضية تخص مثيلتها في الجنس، فهي تعمل معها بحماس منقطع النظير، ولا تيأس ولا تمل من القضية التي تقع في يدها مهما طالت وتبحث بقوة عن الأدلة لإثبات الحق التي يتطلب الأمانة والرغبة الشديدة في معرفة كافة تفاصيل لتحقيق العدالة وهذا هو سبب نجاح محام أو فشله.
وكانت لقمان عكفت على تأسيس أول قسم قانوني مستقل من نوعه في المملكة لا يتبع كلية أخرى، فهو بمثابة كلية متكاملة ومنفصلة، وفي حال تحول دار الحكمة إلى جامعة، يصبح القسم كلية قائمة بحد ذاتها، وعن الهدف من ذلك قالت "توفير تخصص القانون أسوة بجميع التخصصات الأخرى في الحياة العلمية، بالإضافة إلى إعداد كوادر نسائية متخصصة ومتدربة في مجال المحاماة والترافع والتقاضي، بداعي نشر الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع"، وتضيف "قمت بدراسة لوضع المناهج الكاملة لتخصص القانون عام 2004، بعد أن شكلت لجنة مكونة من كبار الاستشاريين القانونيين في العالم العربي حتى 2006، وعندما تم الحصول على موافقة وزارة التعليم العالي، بدأ العمل في القسم لاستقبال الطالبات".
وتوضح بأنه منذ السنة الدراسية الثانية تبدأ الطالبة بالجمع بين الدراسة النظرية والتدريب العملي حتى تتخرج وقد مارست شيئا من القانون عمليا وتعيش الطالبة فصلا دراسيا كاملا خارج الكلية، تعمل في جهة متخصصة كمكتب استشارات قانونية أو دائرة قانونية تتبع بنك أو شركة تجارية وهو شرط من شروط التخرج.
التأقلم مع الواقع العملي
ووفقا للمحامي الدكتور قيصر مطاوع، تمارس المحامية في مكاتب الاستشارات القانونية جميع أنواع المذكرات القانونية الذي يترافع بها الرجال عوضا عنها، وكتابة العقود، وتقديم الاستشارات، وأضاف "ويمكن أن تعمل في الدوائر القانونية في البنوك والشركات التجارية، ذلك حتى يتم السماح باستصدار رخص مزاولة المهنة التي يوجد توجه كبير نحوها الآن، لكي تستطيع الترافع بها أمام القضاة، وهو النظام المعمول به في جميع أنحاء العالم، فما يحدث هنا هو أنه يوجد 1500 محام مقابل 10 آلاف (دعوجي) ممن يترافعون دون أن يكون لديهم شهادة علمية أو ترخيص مهنة".
ويشدد مطاوع على أهمية توافر مناهج جيدة لدراسة القانون باللغتين العربية والإنجليزية ومشاركة نخبة من المحامين الممارسين بجانب الأساتذة الأكاديميين في تدريس الطالبات، وذلك لصقل المواد العلمية بالخبرة العملية، الأمر الذي يساعد الطالبات في معرفة وإدراك التطبيقات العملية للأنظمة والإجراءات في المملكة ويسهل عليهن التأقلم مع الواقع العملي بعد تخرجهن، مؤكدا أن الإقبال على قسم القانون يزداد عاما بعد عام، لافتا إلى تميز الطالبات اللواتي يتوقع أن تكون لهن بصمة واضحة في المجال الحقوقي بعد التخرج.
ويأمل ألا تقتصر مجالات عملهن على قضايا الأحوال الشخصية وتقديم الاستشارات القانونية حيالها، وإنما في جميع أنواع القضايا، فالمرأة السعودية قادرة على الخوض في مختلف القضايا وأن تبرز وتتميز في المجال الحقوقي مثل بقية المجالات، ويؤيد ذلك بقوله، "المجال أثبت تفوق المرأة كمحامية على الرجل في الخارج من حيث المهنية والانضباطية والدقة والتنظيم".
الترافع من حق المرأة
درست القانون والأمل يحدوها بأن تترافع أمام القضاء لكنها تؤمن بأن التغيير يأتي تدريجيا ولا بد أن يتغير العرف في يوم من الأيام، هي الخريجة صبا ناصر التي تقول "أعلم أنه سيأتي يوم يتغير فيه الوضع ونصل إلى ما نصبو إليه ونحصل على رخص تسمح لنا بالترافع أمام القضاء كمحاميات، فما يحدث الآن يجب ألا يتوقف لأن (الدعوجية) يملؤون المحاكم دون علم ودراسة فعمت الفوضى فيها، وهذا هضم لحقوق الموكلين والمحامين على حد سواء. ونحن نطالب بتحقيق العدالة ورد الحقوق إلى أصحابها من خلال مهنتنا، وفي هذه الحالة لا فرق بين المرأة والرجل خصوصا أن الأمر جائز وما يمنعه إلا العرف على غرار قيادة المرأة للسيارة"، وتابعت "كما أن (الدعوجية) يتسببون بضرر للناس بسبب جهلهم بأحكام القانون ويعرفون بالمماطلة وكثر الكلام غير المستند على علم، والأحرى منعهم هم من مزاولة المهنة وليس المحاميات من ذوات الاختصاص، ووفقا للمادة 18 من القانون فإنه لا يجوز لأي شخص غير مرخص الترافع أمام أي جهاز قضائي ففي هذا مخالفة للنظام، ويمكن أن ينحصر دورهم فقط كوكلاء في عمليات البيع والشراء وليس في القضايا القانونية. فكيف يسمح لشخص غير متخصص في القانون أن يزاول المهنة ويضر بها الآخرين بينما تمنع المتخصصة من مزاولتها فقط لأنها أنثى".
دفاع عن حقوق المرأة
كانت دائمة الدفاع عن حقوق المرأة وتطالب بعدم ظلمها في قضاياها، وتردد كثيرا من الأسئلة التي لا تجد عليها إجابات، وعندما افتتح قسم الدراسات القانونية وجدت فيه ضالتها. تقول ريم البصري": إن دراسة القانون لم يكن أحد الخيارات المطروحة أمامها، لكنها فوجئت وهي تتقدم إلى الكلية لدراسة إدارة الأعمال بأن موظفة قسم الاستقبال تعطيها فكرة عن قسم جديد، ففكرت ووجدت أنها مناسبة.
وتضيف "أكثر قضايا المرأة تتعلق بالأحوال الشخصية كالطلاق والخلع وهي تتطلب أن تناقش مع محامية امرأة تتفهم معاناتها، ولا تشعر أمامها بالحرج إذا تعلقت القضية بعلاقة خاصة وتستطيع أن ترافع لها بالأسلوب المناسب أمام القاضي".
وتتابع "نحن نعيش في مجتمع ذكوري قد يتحيز فيه الرجل إلى مثله عندما تقصده المرأة كمحام تشكو زوجها وتطلب الطلاق، خصوصا إذا كان يعاني من نفس العيب، غير أن المرأة المحامية ستتعاطف كثيرا معها وتتفهم مشكلتها وهي تشرح لها معاناتها بأريحية".
وتصف البصري تجربتها بأنها كانت مغامرة، ذلك أنه لم يكن هناك قرار يسمح بمزاولة مهنة المحاماة، فكانت سنوات الدراسة يشوبها كثير من الخوف والقلق بشأن مصيرها بعد التخرج، لكنها علمت بإمكانية العمل في أحد البنوك أو الشركات التجارية وستختار هذا الطريق، فهي تحب إدارة الأعمال كثيرا، وتميل إلى القانون التجاري والمصرفي، وليست لديها رغبة في العمل في أي من الدوائر الحكومية كالتحقيق والادعاء العام أو هيئة حقوق الإنسان.
صقل الشخصية بالتدريب
عندما سجلت هالة المزروع في قسم الدراسات القانونية، لم تكن تتخيل بأنها ستتخرج يوما ما وهي تحمل كل هذه المعارف النظرية والتجارب العملية بجانب صقل شخصيتها.
تقول بأنني كنت أرغب في دراسة إدارة الأعمال لأنني أحب العمل في (البزنس)، ولكن عندما علمت بفتح قسم الدراسات القانونية تقدمت إليه موقتا. وسرعان ما تأقلمت في القسم وأحببت فيه الاطلاع أكثر وصقلت فيه شخصيتي أيضا، وقد وفر لي التدريب العملي خلال سنوات الدراسة في أحد البنوك السعودية.
عن تجربتها العملية، تقول: "في الدورة التدريبية بالبنك، استمعت إلى المحاضرات النظرية بالإضافة إلى الجانب العملي من خلال دراسة عدد من القضايا المتعلقة بالأسهم والشيكات، وكذلك الاستشارات القانونية، كما أنني تعلمت فيه كيفية معالجة المشكلات التي قد تحدث يوما في أي جهة بنكية أو تجارية كالاختلاس والسرقة وغيرها، واطلعت على لائحة الجزاءات بالبنك ونظام العمل. ونظمت إدارة التدريب في البنك لي ولزميلاتي المتدربات رحلة إلى الخزينة والهيئة الشرعية وقاعة التعاملات، كل هذه التجربة التي استغرقت مني 3 أشهر، أرى أنها ستساعدني كثيرا عند الخروج إلى سوق العمل لمزاولة المهنة، وتمنحني الخبرة في التعامل مع الموظفين والموظفات مستقبلا، كما أنها ساهمت في بناء شخصيتي العملية مبكرا".
ومع ذلك ترفض المزروع أن تعمل في بيئة قانونية بحتة كمكتب استشارات قانونية مثلا، لأنها لن تجد الفرصة التي تسمح لها بفتح مكتب تحت اسمها بحكم عدم السماح بالتراخيص، ولذا ترغب أن تبدأ مشوار حياتها الوظيفية في شركة تجارية نظرا لحبها إلى إدارة الأعمال، وبالتالي تستطيع أن تمارس القانون التي تعلمته في الكلية في البيئة التجارية التي طالما تطلعت للعمل بها.
معضلة اصطحاب المحرم
إلى ذلك، رأت عدد من السيدات وجود محاميات يترافعن عن قضاياهـن أمرا إيجابيا، وأبدت (منال . ع) سعادتها بوجود قانونيات في المملكـة، وتأمـل أن يتم منحهن الفرصة لممارسة المهنـة بكـل ارتياح لأن هـذا ينعكس إيجابيا على النساء. وعندما تحتاج الأنثى إلى من يرافقها في المحكمة تكون من بنات جنسها وممن لديها الكفاءة العلمية والعملية.
تقول "نحن نعيش في مجتمع محافظ جدا، ولذلك وجدت صعوبة بالغة في عرض قضيتي على محام حيث طلب مني أهلي أن أصطحب معي محرما هو أخي، وكانت المشكلة أنني أريد أن أعرض قضية الميراث عليه وأشكو إليه أخي، لذا عندما يكون المستشار القانوني امرأة، سيسمح لي بمقابلتها دون محرم، وبالتالي سأجد الراحة في التعامل معها ولا شك أنها ستتفهم مشكلتي بشكل أفضل من الرجل".
البوح إلى أنثى
وتقول (راوية . م) إنها واجهت حرجا شديدا أثناء عرض قضيتها على محام، لأنها كانت تريد خلع زوجها الذي كرهته وهو يطالب بعلاقته الشرعية الخاصة معها التي ترفضها، وتضيف "كان من الصعب أن أشرح للمحامي مشكلتي مع زوجي وهي تتضمن علاقة خاصة وأمورا حميمة لا يمكن أن أتحدث بها إلى رجل، فكنت أتمنى أن أجد محامية لا أخجل من البوح إليها وتستطيع أن تعبر عني أمام القاضي بمهنية عالية، لهذا أرى أن وجود قانونيات سيحل كثيرا من المشاكل ويجعل المرأة تتخطى العديد من الحواجز السابقة".
حق للجامعية المتدربة
من جانبه، بين القاضي بالمحكمة العامة بجدة الشيخ نصر اليُمني أنه لا يوجد نص شرعي يمنع المرأة من مزاولة مهنة المحاماة، ولا سيما أن مزاولة المرأة للمحاماة مبني على جواز وكالتها. وقال "قد ذكر بن مفلح في كتابه الآداب الشرعية جواز ذلك باتفاق أهل العلم، وعليه فلا بأس بأن تمارس المرأة مهنة المحاماة أسوة بالرجل طالما أنها تخرجت من كلية علمية متخصصة فيجب أن تتسلم عملها خصوصا أن رخصة المحاماة لا تصدر للمرأة حتى تستوفي سنوات التدريب الثلاث في مكتب استشارات قانونية".
وتابع "والواقع الآن أن المرأة تتوكل عن الغير والحضور لدى المحاكم والترافع كالرجل لكن بشرط أن لا تتجاوز ثلاث وكالات، فإن تجاوزت الوكالات الثلاث فإن النظام الشامل لدى وزارة العدل يرفض الوكالة الرابعة وفي هذا الأمر يستوي الرجل بالمرأة لمن لم يحصل على رخصة المحاماة. وهناك بعض الرجال والنساء يقومون بعمل مجموعات بغرض تجميع وكالات عن الغير ومن ثم الترافع والاشتراك في العوائد المادية المترتبة عليها.