يقال إن "الفنون جنون"، لذلك فمن الطبيعي أن التنميط والتقليدية تفقدان الفن وهجه، وفي الأغنية العربية قلما نجح المتأثرون بآبائهم أو المقلدون لهم.

الفن لا يعترف بتأثير الجينات الوراثية، فابن الوز ليس عواما بالضرورة، كما أن أول ما يقع فيه الابن الفنان، هو مأزق المقارنة الذي يفرضه المستمتع، بينه وبين والده.

وبالعودة إلى واقعنا العربي، فإن هذه المقولة "ابن الوز..." تكاد تكون قاعدة أصلية. ليس في الفن فحسب، بل وفي كرة القدم وفنون الكتابة والأدب، والموسيقى، حتى أصبحت الموهبة أقرب إلى الصنعة منها إلى أي شيء آخر.

وبالعودة إلى الغناء، فإن حالات من نوع "أنا مبدع وصوتي جميل لأن أبي كان كذلك" كثيرة إلى الدرجة التي تجعل من حصرها أمرا مستحيلا.

في الآونة الأخيرة قرر - كما يبدو لي- الموسيقار أحمد فتحي أن يعلن مفاجأته لأهل المغنى من خلال ابنته بلقيس. لكنها لم تكن كذلك أبدا، فعلى رغم تمتعها بمقومات المطرب الجيد، إلا أنها حتى الآن لم تستطع تقديم نفسها كتجربة مستقلة وإحساس فني متفرد بشخصها وصوتها؛ ذلك أنها ليست بلقيس التي تغني في كل مرة، بل: بلقيس بنت أحمد فتحي، وهناك تجارب أخرى مماثلة كمحمد سامي إحسان وغيرهما.

وبالذهاب إلى نموذج آخر، شذ عن القاعدة، وكان على الضفة الأخرى المقابلة لتجارب العوم الفاشلة، يأتي أصيل أبوبكر كحالة متفردة استطاعت فرض حضورها، والنجاح على الرغم من كونه ابنا لقامة فنية كبيرة جدا، كأبوبكر سالم، وغالبا ما ستكون المقارنة بينهما في صالح (الأب).

هذا النجاح لأصيل، يعود – كما أعتقد – لكون أبوبكر لم يحاول التأثير على ابنه، ولم يكن يرغب أن يطرق أصيل أبواب الفن، بل كان ضد توجهه الفني، خوفا على دراسته، لذلك بدت شخصيته الفنية مستقلة.