مرحلة ما قبل المدرسة، من المراحل الحساسة في تنمية المهارات المعرفية والحركية للأطفال، ولذلك فإن الباحثين والمعلمين لا يألون جهدا في ابتكار طرق تعزيزها وصقلها، قبل أن يدخل هؤلاء الأطفال نظام التعليم العام.
مهارات هذه المرحلة في عمر الأطفال متعددة؛ تعنى بالقراءة والحساب والتلوين، ولعل أهمها المهارات الحركية الدقيقة، ومن أشهر أمثلتها لعبة الربط بين النقاط. هذه اللعبة تساعد الطفل على حمل الأقلام بقبضة جيدة ليرسم شكلا يمكن التعرف عليه وتسميته، ونحن أحوج ما نكون لدورة تدريبية على هذه اللعبة لتنشيط مهارات المسؤولين حتى تتسنى لهم معرفة شكل البطالة وماهيتها.
أوراق رسوماتنا ونقاطنا وصلت لعنان السماء، ولم تجد يدا ترسم حلا لها. تبعثر هذه النقاط وتخبطها يدفع ثمنه أبناؤنا وبناتنا من أعمارهم، فيتم تقاذفهم يوميا بين وزارات الدولة المختلفة.
تبدأ رحلة الشاب بالتحاقه بجامعة لم تكترث باحتياجات سوق العمل من مهارات وتخصصات، لترمي به في تخصص يجعله يقضي عمره في علم لا ينفع فقط، حتى لا يتم إغلاق هذا القسم المتخم بأعضاء هيئة تدريسه المهترئة. وتبدأ رحلة عاطل آخر حين يلتحق بمعهد صحي قام بدفع أموال اقترضها أملا في شهادة لم يتم تنويره بأنها ستُرمى وإياه على قارعة الطريق، لعدم اعتراف قطاعات الدولة بها، وهي نفس القطاعات التي صرحت في البدء لهذه المعاهد.
تستمر رحلة الشاب عندما يتخرج ويحمل الشهادات لتخصصات تتفاخر بمخرجاتها من الجنسين، ومن ثم تمنع إناثه من التراخيص وممارسة ما قضوا عمرا في دراسته، ولنا في القانون عبرة.
هذه الرحلة تستمر عندما ترفض وزارة الصحة توظيف خريجي المعاهد الصحية، لأنهم من حملة الدبلوم وترمي بهم للهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي تشق عليهم في التراخيص، وتجديدها انتهاء بتنصل الجامعات السعودية من تجسير شهاداتهم، لترضخهم مجددا للكليات الأهلية بمئات الألوف من الريالات لتكتمل دورة المعاناة.
رحلة محبطة لمن يتخرج من تخصصات لم يتم تصنيفها وظيفيا من وزارة الخدمة المدنية، على الرغم من أن مخرجاتها قد أكملت سنين عديدة كتخصصات العلوم الطبية، إلا أنها ما تزال توضع في درجات ومستويات لا تمت لعملها بصلة، وقد تؤخر توظيفهم لا لشيء، إلا لأن الوزارة تركن لما اعتادت عليه وقد يؤثر تحديث هذه التصنيفات على خططها الاستراتيجية الحالية.
هذا الشاب هل كان سيختار ما اختاره لو عُرضت الحقائق عليه من قبل قطاعات الدولة المختلفة، من وزارة تعليم عال، ووزارة خدمة مدنية، ووزارة عمل، ووزارة اقتصاد وتخطيط، ومصلحة إحصاءات عامة، وغيرها من خلال تقرير سنوي معلن عن متطلبات سوق العمل ليتخذ قراره مستنيرا؟
هذا العاطل هو الذي كان في يوم من الأيام خريج ثانوية ممن وثقوا بأن الجامعات لا يمكن أن ترميهم في تخصصات لا وظيفة لها ولا مستقبل، وهو أحد الذين تم استغفالهم بأن الشهادات العالمية هي المفتاح للأبواب الوظيفية وهو الذي اعتقد أن الاستثمار بالتعليم من ماله الخاص هو استثمار ناجح لا محالة.. هذا العاطل هو نفسه الذي يفترش الأرض صباحا أمام الوزارات مطالبا بحقه الضائع بين النقاط.
النقاط المسؤولة عن البطالة مبعثرة ومتنافرة عن مركز المسؤولية كبرادة حديد وهي بحاجة لمغناطيس لجذبها ومواجتها بخذلانها للمواطنين وأنها ان لم تسهم في رسم حل لمشكلة البطالة فهي نقطة غير فاعلة لا بد من مسحها ورسم نقطة أخرى تتناغم مع غيرها من النقاط لتنتج رسما متكاملا لمعيشة المواطن بكرامة.