حينما مررت بمباني جامعة الأميرة نورة في الرياض الصيف الفائت في الطريق من المطار إلى قلب المدينة تملكتني دهشة كبيرة، ليس لأنها مبانٍ متميزة وصرح تعليمي هائل ومتميز على مستوى عالمي فحسب، وإنما لأنها جامعة جديدة ومتميزة للنساء فقط! فنحن كنساء لم نتعود على أن نحظى بمنشآت متميزة تبنى خصيصاً لنا. فدائماً نحن جزء متفرع من المؤسسة الرجالية الرئيسة: فيقال القسم أو الفرع أو الركن أو الجناح أو الملحق حتى الممر النسائي، سواء كنا نتكلم عن جامعات أو بنوك أو سفارات أو مساجد أو دوائر حكومية أ وغيرها، وكأنما مكان المرأة دائماً هو ملحق المنزل، وليس المنزل نفسه، وقطعاً ليس في مجلسه الأكبر والأفخم.

ففي إحدى الجامعات الحكومية تم بناء مبانٍ جديدة للطلاب ولإدارة الجامعة، وحين انتقلوا إليها تم نقل الطالبات لمبانيهم القديمة! وعندما تم بناء مبانٍ رياضية حديثة بما فيها إسطبل للخيول وإستاد رياضي جامعي متميز نُقل إليه الطلاب، في حين انتقلت الطالبات إلى الصالة الرياضية القديمة التي كان يستخدمها إخوانهن منذ أكثر من عشرين سنة، لكنها مع ذلك بدت لهن جنة مقابل "الصندقة" القديمة التي ظللن يمارسن فيها الرياضة لسنوات طويلة. وفوق ذلك كان هناك من لا يعجبهم حتى أن تستخدم الطالبات هذه المرافق التعيسة. ومازالت هناك جامعة سعودية لا تعتقد بأنه يجب أن تفتح فرعاً أو شطراً أو "سيكشناً" لتعليم الطالبات رغم وجود احتياج لذلك في منطقتها، وهي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وتلجأ شركة أرامكو السعودية حالياً لابتعاث طالبات لدراسة تخصصات هذه الجامعة الهندسية خارج المملكة.

لكن تظل جامعة الأميرة نورة بمبانيها ومستقبلها المشرق - بإذن الله- استثناءً عن وضع بقية المؤسسات التعليمية الحكومية النسائية، فلم يفاجئني أبداً ما حصل في شطر الطالبات في جامعة الملك خالد في أبها قبل أسبوعين تقريباً. فشكاوى هؤلاء الطالبات تتكرر في المؤسسات الجامعية في المدن الكبرى أيضاً، وكليات التربية سابقاً وضعها كان أسوأ من وضع الأقسام النسائية في الجامعات، وإن كان الحال في كليهما لا يسر، مع الاعتراف بوجود بعض التطورات والتحسينات في بعض الجامعات مؤخراً.

مطالب طالبات جامعة الملك خالد في أبها كانت بسيطة جداً وأقل ما يمكن أن تقدمه مؤسسة تعليمية لتلامذة في دار الحضانة ناهيك عن طالبات جامعيات. خاصة في بلد مثل المملكة العربية السعودية يدرس حالياً أكثر من مئة ألف طالب وطالبة من مواطنيه في أرقى جامعات العالم. فمطالبهن ليست سوى النظافة والنظام وصيانة مرافق الكلية ودورات مياه تليق بآدميتهن دون مرايات منزوعة! وهي شكاوى تقول الطالبات -حسبما نقلت الصحف- إنهن حاولن إيصالها للمسؤولات في الجامعة دون جدوى. مما أدى في النهاية لتلك الأحداث المؤسفة، التي ما كانت لتحدث برأيي لو كان هناك اتحاد منتخب للطالبات يمثلهن ويتحدث باسمهن ويتواصل مع مدير الجامعة مباشرة لحل المشكلة قبل أن تتفاقم.

فإذا كانت مرافق الطالبات التعليمية سيئة ودون المستوى مقارنة بشطر البنين في نفس الجامعة، فإن طريقة إدارة هذه المرافق هي حكاية أخرى. فأسلوب التعامل مع الطالبات بشكل عام فيه الكثير من القسوة والجفاء وسوء الظن بالطالبة والتشدد معها، بشكل لا يليق بطالبة جامعية قد تكون هي بدورها متزوجة وأماً لأطفال. فهناك جامعات وكليات تفرض حتى زياً محدداً على طالباتها أو في أحسن الأحوال لوناً بعينه، في تعنت لا معنى له مع هذه المرحلة العمرية، فيكفي أن يكون اللباس محتشماً ولائقاً بالزمان والمكان. كما تحرم كثير الجامعات دخول الأدوات التقنية الحديثة للجامعة، أو استخدام الطالبات للإنترنت دون رقابة، ولا تسمح بالخروج منها إلا وقت الانصراف المحدد سلفاً حتى لمن ليس لديها سوى محاضرة واحدة في الصباح ويفيدها كثيراً أن تعود للبيت لتنام أو تذاكر أو تهتم بأطفالها. ولا أعرف صدقاً إن كان هناك تعميم رجالي يجبر الإداريات على الالتزام بقائمة الممنوعات هذه أم أنه إبداع نسائي خالص؟ فقد لوحظ أن بعض النساء ما أن تستلم منصباً حتى تكشر عن أنيابها وتقوم بما يشبه إعادة التدوير للمعاملة القاسية أو المتعنتة التي تعرضت لها هي شخصياً في البيت أو المدرسة أو المجتمع.

أمر آخر يستحق أن يُشار إليه هو حجم الصلاحيات الممنوحة لمنسوبات الجامعات سواء كن إداريات أو أكاديميات، فقد اشتكت لي أكثر من أستاذة جامعية، كيف أنها تشعر أحياناً بأن السكرتير في قسم الطلاب لديه من الصلاحيات أكثر مما لديها، وكيف أنه يتم اتخاذ قرارات بشأن المناهج وأسئلة الامتحانات على مستوى الكلية، وهي قرارات تشمل الجنسين، دون الرجوع إليهن في القسم النسائي، ويتم إبلاغهن عن الاجتماعات ولكن على سبيل الإخبار وليس الاستشارة وطلب المشاركة في اتخاذ القرار. فإذا كانت هذه حال الأستاذة المساعدة أو المشاركة أو الأستاذة فماذا نتوقع أن يكون وضع موظفة إدارية؟ لا أحد يحب الفوضى أو يباركها، أو حتى يحاول التبرير لها، لكن تكرر هذه الاحتجاجات والمشكلات في أكثر من جامعة ومدينة يعني أن هناك خللاً واضحاً، ففي العام الماضي شهدنا فوضى مماثلة في شطر الطالبات في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، ونحن هنا نتحدث عن مؤسسات التعليم العالي، أما لو فتحنا ملف مدارس البنات فسيحتل المقال صفحة كاملة.

النساء هن شقائق الرجال ونصف المجتمع وشريكات الوطن، ولهن حق مثل الرجال تماماً في كافة مرافق الدولة وثرواتها وخططها المستقبلية، وفي عصر الانفتاح والحرية الرقمية وزمن الإصلاح فهن لن يقبلن إلا بأن ينلن هذه الحقوق كاملة غير منقوصة، وداعمهن الأول في هذا التوجه هو قائد البلاد ومليكها خادم الحرمين الشريفين إذ قال في كلمته الشهيرة: " المرأة هي أمي ..هي أختي.. هي بنتي.. هي زوجتي.. أنا مخلوق من المرأة" فقطع أبو متعب بذلك قول كل خطيب وحبر كل كاتب.