هذا الصراع الحاصل في معظم أنحاء الوطن العربي، تلطفت وتفاءلت دول كبرى بتسميته مجازا بالربيع العربي، ولم نكن نعرف أن لون الربيع ملون بالدماء إلا مع إصرار النخب العربية المرابطة في الفضائيات، لتقبض بعد كل تحليل ثمن تأملات شخصية توهم المستمع والمتلقي أنها حقائق لاجدال فيها (أرزاق).

كلما نزف دم من الشعوب العربية زاد في صراخ المنظرين بأنه الربيع القادم بالزهور والرخاء والسلام وازدادت الدماء، حتى أصبح عام الدم (أو السنة الحمراء) قياسا على سنوات كانت تسمى سابقا بأسماء الأحداث التي تحدث بها.

وها هو عام ينقضي ولم يأت الربيع وزهوره....ولا (أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكآ.... من الحسن حتى كاد أن يتكلما) كما قال الشاعر..

ولا ندري ما حصل وما هو حاصل وماذا جرى وما هو جار. وسبحان مغير الأحوال، لكنها الحياة "من سره زمن ساءته أزمان"، فدوامة العنف قضت على أرواح وشتت شمل شعوب من الشام إلى الصومال واليمن والسودان ومصر وغيرها في بلاد العرب، "تنوعت الأسباب والموت واحد". نسأل الله أن يكشف هذه الغمة فيعود الوعي لعقول غير مدركة ما يدور حولها من فتن وعواصف وأنهار دم، ووقود من فضائيات كل منها يعتقد أنه يملك الحقيقة.

وصل الحال ـ خلال عام ـ إلى أن باتت مشاهد الدماء عادية، وقست القلوب لكثرة ما يعرض عليها من دماء و أشلاء، وأصحاب القلوب لاحول لهم ولاقوة، والفضائيات تتسابق لتكون الأسرع في بث الدم العربي على الهواء مباشرة، حتى بات كالماء لتزداد قسوة القلوب.

مع كل هذا الاستنفار الفضائي، يستطيع المشاهد أن يتحول لمحطة أخرى... لكن الجميع في انتظار أن يأتي الربيع الحقيقي بسلام وأمن، ويعود العرب للتفكير الحقيقي بقضيتهم الكبرى فلسطين، والتي أصبح الحديث عنها نسيا منسيا.

وكفى العرب دماء تنزف ودولا تتمزق، فلابد من العودة لتحكيم العقل.