يبدو أن الحقيقة كُشفت أخيرا، فمن كان يقف خلف قضايا النهب والجرائم التي قرأنا عنها في صحفنا المحلية وتم توجيه التهم فيها إلى "جنّي" لم يكن "جنّيا" عاديا! بل كان "جنيا ليبرالياً"! فلا يمكن إلا هو أن "يُغرر" بإنسان "بريء" للفساد الأخلاقي والديني والسلوكي، فهؤلاء الجن الليبراليون الفاسدون هم من أفسدوا حياتنا ومجتمعنا ويريدون اختطاف ديننا منّا، وهم من يقفون خلف أمراضنا الاجتماعية، وهؤلاء هم من يدفعون الناس إلى استخدام الواسطة الحميدة وغير الحميدة! وهم من فرقوا بين الأزواج ونشروا الطلاق، وهم سبب عنوسة السعوديات وسُمنتهن، وبطالة البعض في أعمالهم ودراساتهم حسدا وعينا وسحرا، إلى آخر القائمة والعياذ بالله!
لا أعلم هل أكمل السخرية السابقة أم أتوقف؟ إنها سخرية دائما ما ترافق قول المتنبي "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" فمن واقع ما أقرؤه من بعض مقالات وأتابعه من أطروحات إعلامية لبعض الزملاء والزميلات حول "الليبرالية" اليوم وقبل اليوم، أرى تخبطا فكريا ولبسا ثقافيا وضحالة في التناول يُمارسه بعضهم ممن أدخلتهم طفرة الثقافة والفكر في زمرتهما مصادفة، فحياتنا قائمة على "البركة"، وهكذا هو حال التصنيفات الفكرية والدينية لدينا "ماشية على البركة" نتيجة ضحالة فلسفة الفكرة وسطحية الرؤية! فالواحد بين ليلة وضحاها يجد نفسه ليبراليا لمجرد أنه كتب مقالا عن قيادة المرأة للسيارة أو ضرورة ابتعاثها دون محرم أو أي شيء ترفضه العادات والتقاليد لدينا، هذا يكفي ليكون ليبراليا في ظلّ "التصنيف المجاني"، فيما هم ربما لا يعرفون ماذا تعني الليبرالية. آخرون وجدوا أنها حل يهربون إليه كي يعلقوا فسادهم السلوكي والأخلاقي على شماعتها بحجة حمايتها للحرية الشخصية، بينما الليبرالية ليست حرية مطلقة، لأن القانون يقف لها بالمرصاد، ثم فجأة تأخذ هؤلاء وهؤلاء شهوة الكتابة والإعلام لنجدهم يُنظرون ويتفلسفون ويدلون بآراء، وكلها لا تخرج عن أن تكون "سلطة فاكهة بالتوابل والفلفل"! واليوم فيما أقرؤه لبعض الزملاء والزميلات ممن اتبعوا بوصلة المجتمعات حولنا وما يريده الجمهور، نجدهم غسلوا أيديهم منها ونفضوا ثيابهم مما دخلوه "مصادفة"، وأيضا عادوا ينظرون جاعلين منها شماعة الفساد الأخلاقي وسبب الإلحاد وباتوا يتهمونها بكل جريمة، مثل الذين اتهموا "الجن الغلبان" بما قرأناه في الصحف عنه من جرائم! إنها هشاشة فكرية ونقدية مُخجلة جدا! فإن كان هذا هو حال هؤلاء الذين صُنفوا أنهم من النخب يعانون "السطحية"، فما بالنا بالذين لا اهتمام لهم إلا ترديد ما يسمعونه منهم!
وبكل صراحة، وباختصار، أستغرب كثيرا ممن يقولون إن هناك تيارا ليبراليا أو ليبراليين يعيشون في مجتمعنا السعودي المسلم، لأنه ليس لدينا من الأساس بيئة ليبرالية تعتمد التعددية، بينما قد يتحول هؤلاء السعوديون أنفسهم إلى ليبراليين حين يسافرون إلى الخارج ويعيشون في مجتمعات "ليبرالية" ودون أن يعرفوا، يصبحون ليبراليين ويمارسونها وأيضا بـ"الصدفة".