يسألني عقب أن قرأ تعليقات المئات على مقالي بالأمس: هل وصلت إليك من أهلك الذين – مسحوك – رسالة الأمس وأنت من حاول طوال دهر أن تكون لهم صوتاً؟ والجواب أنني مستمتع بحفلة الشتم ولي مع هذه الحفلات معارك مختلفة في ظروف وأوقات مختلفة. وأنا في البدء، أشكر صادقاً ومن الأعماق كل هؤلاء الذين يختلفون معي، وما زالت رسالة أستاذي الكبير، قينان الغامدي، نبراساً وهو يقول لي ذات يوم ليس بالبعيد: إن أفضل التعليقات للكاتب هي تلك التي تختلف معه لا تلك التي تطبل أو تمدح. أنا مع أن الكتابة – فكرة مستفزة – وقد قلت هذا من قبل، فالكتابة ليست شريطاً موسيقياً تعيد السماع إليه كلما اشتقت إلى بداية المقطع. الكتابة هي ما يأخذ القارئ إلى حدود الدهشة مثلما هو جرح الفكرة المضادة حتى تفتح النقاش أمام الجمهور. وأما أنني كنت – صوتاً – لمطالب أهلي في هذا المكان أو في غيره فتلك شيمة أعيد الفضل فيها إلى هؤلاء الآلاف، لأنني بدونهم مجرد صفر على يسار الرقم.. هم أصحاب الفضل عندما يطلبون من الكاتب أن يلتفت إلى الثقب الأسود في جدار التنمية الأبيض. وهم أصحاب الفضل، لأنهم بالنسبة لي – وقود حياة – حتى مع حفلات الشتم. وحين تسألني: هل ندمت على شيء كتبته من قبل؟ فالجواب هو الفطرة الإنسانية التي تتمنى نهاية المساء لو أنها مسحت من لسانها نصف ما قالته طوال اليوم. وأما جوابي على سواد التعليقات التي تتحدث عن شراكة الكاتب مع مصالحه الخاصة، فليست هذه المرة الأولى التي أواجه فيها هذه اللذائذ. وللمشككين، هذه دعوة إلى أن يأتوا إليّ لأكشف لهم كل شيء في حياتي ثم (نتباهل) عليه أمام المولى عز وجل، وسأظل فخوراً جداً أنني أستطيع كتابة كل ما أملكه في هذه الحياة في اختصار (كلمة) واحدة وفي رقم فردي إلى يمينه أربعة أصفار كاملة. ومن المؤكد بمكان أن كل هؤلاء الذين نبشوا في حياتي عن كل شيء ولم يتركوا شارداً عن أي شيء لم يجدوا فيها صيداً ثميناً ليفضحوه، وأفضل ما في حفلات الشتم بأكملها أنها لم تجد ثقب إبرة إلى فساد أو مظلمة وإلا لما سكتوا كل هذه الفترة الطويلة. وعوداً على بدء، فإما أن يمسحوني فتلك مهمة لا تحتاج إلى عظيم جهد أو فتوة.. فلم يعد في الجسد ولا في الحياة ما يحتاج إلى جهد خارق للمسح. وحتى حين أتأمل عظامي عارية أمام المرآة لا أجد من بقاياي سوى خيط طويل نحيل هزيل تستطيع أن تلغيه إن شئت بماسح الحبر الأبيض. وأنا – وهذه تغريدة أخيرة – ماسح الحبر "الأبيض" لمن أراد أن يبدأ من جديد رحلة الاستمتاع بحفلة الشتم.