التهويل دائماً مصدره ذهني وليس واقعيا. وإذا كان أهل الأصول يقولون إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإن الحكم على أي نشاطٍ فرع عن تصوره الذهني لا عن حقيقته الواقعية. بيان من سبعين داعيةً صدر قبل أمس عن معرض الكتاب، يتناول المعرض بجزئياتٍ صغيرة.. عرض المعرض وكأن كل الكتب التي فيه مخالفة للعقيدة والشريعة. فالجزء لا يشوه الكل. المعرض ضم الكثير من الكتب التنموية والأدبية والقانونية والتاريخية، ومن الخطأ اختزاله بمقولةٍ في ديوان، أو نصٍ في قصيدة، أو عبارة في رواية، بل المعرض أشمل من ذلك كله.

الإخوة الدعاة من حقهم الاعتراض والمقاطعة أيضاً، غير أن ما نعترض عليه تحويل المجتمع كله وأنشطته ليكون أي نشاطٍ يفصّل على مقاسات أفكارهم. وهذا خطأ وخطر، خطأ لأن الناس يتنوّعون، المجتمع ليس مكوّناً من ملايين الدعاة، بل فيهم القانوني والمؤرخ والمهندس والطبيب، ومحاربة كل أنواع الكتب والإبقاء على نوعٍ واحد فيها حدية وأحادية، كما أن الموقف الذي طرح خطر، لأن البيان يطالب الناس والمجتمع والسعودية كلها أن تسير عكس الواقع. ليس من حق أحد منع الناس من قراءة ما يشاؤون، فالله أمرنا بالتدبر والسير في الأرض، ومن حقنا على أنفسنا وعقولنا أن نقرأ ما نشاء وفقاً لقيمنا وتديننا الذي لا يزايد عليه أحد. فالبيان جاء عكس الزمن والتاريخ وعكس متطلبات الحياة.

لنضرب للدعاة مثلاً، هل تمنع كتب الدين كلها لأن فيها بعض النصوص التكفيرية؟ كلنا نعلم أن بعضاً من الكتب القيمة في الشريعة تضمنت أحياناً نصوصاً فيها تكفير واضح لشخصيات وأسماء، ومع ذلك هي تباع لما فيها من خيرٍ على الوجه الآخر. كذلك الحال في الكتب المعاصرة، هل نمنعها كلها لأن في بعضها القليل من النصوص مما يعترض عليه الإنسان لتضمنه بعض الإشارات ضد المقدسات؟! أم نشتري الكتب وفقاً لأمانتنا وعقولنا التي وضعها الله لنا؟!

قال أبو عبدالله، غفر الله له: هذا البيان يعبر عن أزمتنا الحقيقية مع أي نشاطٍ مهم، من الجنادرية إلى معرض الكتاب، إلى ملتقى المثقفين، هل المطلوب أن نحول بلدنا إلى تقليد نسخة من طالبان؟! أم نسير مع العالم وفقاً لقيمنا وديننا ويسر الشريعة ورخصها؟!