قارنوا فقط بين حديث الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير في لقائه أمس الأول مع طلاب جامعة الملك خالد، وبين تصريحات مسؤولين في الجامعة لتكتشفوا حجم الفرق الواسع بين لغة التصريح وأهدافه، فبينما يتحدث الأمير فيصل في اللقاء بلغة تدافع عن الطلاب وتهتم بمطالبهم وتؤكد شرعية تلك المطالب يتحدث مسؤولون في الجامعة بما يمكن وصفه بالالتفاف على الحدث واللعب على أوتار الأنظمة، تصريحات مشينة وأخرى غير مسؤولة وتصريحات تفتقر لمنطق الإخلاص والوطنية والإيمان بأن مصلحة الطلاب أولا.

ويكفي فقط تصريح عميدة كلية البنات الذي تناقلته الصحف والذي تؤكد من خلاله أهمية أن يطلع الجميع على أن السبب الحقيقي لما حدث لا علاقة له بالنظافة إنما لأن عددا من الطالبات طالبن بإدخال "النت والبلاك بيري والآي فون للكلية".

ومع ما هو واضح في هذا التصريح من التفاف على الحدث، إلا أنه أيضا يفتح الباب واسعا لأسئلة حول بعض التنظيمات التي تطوق كليات البنات في مختلف مناطق المملكة، فلماذا يمنع "النت والبلاك بيري والآي فون أصلا"، وما الذي تم الاستناد عليه لاتخاذ مثل هذا القرار، ثم إن الواقع الذي بثته الصور يشير حقيقة إلى أزمة داخل الكلية على مستوى الخدمات والنظافة، ناهيك عن التعامل الإداري الفظ الذي تكررت الشكوى منه على ألسنة الطالبات.

بشكل عام، كل ثغرة خدمية، وكل تقصير في أداء حقوق المواطنين بمختلف شرائحهم لا يمكن أن يظل بعيدا عن الاحتجاج والرفض، وبخاصة في واقع ثقافي وإعلامي جديد بات يحمل فيه الشباب لغة مختلفة ووسائل تعبيرية مختلفة تجعل من الصمت أمام ذلك التقصير مسألة مستحيلة، مما يعني أن صناع الارتباك الحقيقي هم أولئك المسؤولون المقصرون وليس من يرفضون ذلك التقصير ويحتجون على وجوده واستمراره.

تلك الثغرات الخدمية تجعلنا أمام واقع جديد وتداعيات جديدة للفساد الإداري، لأن ثمة إجماعا وطنيا بين قيادات الدولة وبين جمهورها على أهمية الدفع باتجاه حفظ الحقوق وتوفير الخدمات وصيانتها، وذو القرار بفعل موقعه ومكانته ومسؤولياته يستوعب جيدا أنه أمام تحولات وواقع جديد ولغة جديدة، مما يعني أن إدارة المؤسسات التي تتماس بشكل مباشر مع حياة الناس بحاجة مستمرة لقيادات جديدة على ذات المستوى من الاستيعاب والوعي.

لو أن أحداث جامعة الملك خالد تركت لتلك التصريحات البدائية والهجومية والمندفعة التي ظهرت على ألسنة بعض قيادات الجامعة لتحولت بالفعل إلى أزمة حقيقية؛ فالتقصير حين يحظى بمن يدافع عنه، أو يبرره أو يحاول الالتفاف عليه فإنه يؤدي إلى ترسيخه على أنه هو الأصل والواقع.

من الواضح أننا أمام طبقة من المسؤولين القادمين من زمن المعاريض ينطلقون من وعي لا يستوعب التحولات ولا المستجدات، وهم كثيرون وقابعون في كثير من وزاراتنا ومؤسساتنا.

تلك الكوادر هي التي أنتجت حزمة من الأخطاء والعوائق التي تحولت إلى عقد تنموية حقيقية لم يتم حلها إلا بقرارات وتوجيهات وأوامر ملكية، وهو ما يجعلنا قادرين على القول بأن القضايا التنموية الكبرى قد تعاملت معها الإرادة السياسية بتوجيهات إيجابية واضحة، لتبدأ تلك القضايا التي ظلت عالقة على مستوى المناطق، وظلت بعيدة عن الضوء.

نحن الآن أمام دور حقيقي لأمراء المناطق، يستلزم منهم الاتصال والتعامل المباشر مع الجمهور، حتى يعملوا أولا على اكتشاف تلك الثغرات التنموية والخدمية، والتدخل لحالها والانحياز للناس.

إن الانحياز للناس هو الموقف الوطني الذكي والإيجابي، وإذا كنا نشهد انحيازا ضد مسؤولين مقصرين فنحن بحاجة أيضا لأن يستمر ذلك ليشمل انحيازا ضد أنظمة وقوانين تسهم أحيانا في توسيع دائرة ارتباك الناس وتعطيل مصالحهم.

إن صورة ولغة الأمير فيصل بن خالد في لقائه مع الطلاب، ومقارنتها بما شهدناه من تصريحات لقياديين في الجامعة تشير إلى حالة من التباين الكبير في مستوى استيعاب المسؤولية، فبينما تستطيع الحصول على الهاتف الشخصي لأمير منطقة ما قد تحتاج إلى أيام لتقابل مدير مكتب مدير جامعة.