(التواصل الاجتماعي) ليس حاجة اقتصاد, أو تعاون فقط, بل هو حاجة تقدير اجتماعي، وحاجة تحقيق ذات كما أوردها عالم النفس (ماسلو). والقدرة على فهم الآخرين هو الذي يميز العلاقات بين الناس, فمن خلال الفهم نستطيع أن نعرف محركهم ودوافعهم، وما هي الطريقة المثلى للتعامل معهم, لذلك يعتبر الذكاء الاجتماعي أعلى درجات الذكاء الثمانية؛ لأنه سر أسرار (الكاريزما) و(الشعبية) للقادة، ومن خلاله تكمن القدرة على معرفة الناس وحل الصراعات وكسب الأصدقاء. ولذلك اهتم العديد من علماء النفس والإدارة بما يسمونه (رأس المال الاجتماعي).

وفي كتابهما (الصحبة الطيبة) قام كل من (دون كوين) و (لورانس بروساك) بإلقاء الضوء على ماهية (رأس المال) هذا الذي يختلف عن رأس المال المادي والبشري، وأسموه (رأس المال الخفي)، الذي يزيد رصيده كلما زادت العلاقات الاجتماعية والصلات الفردية والروابط الأخوية والروح التعاونية. وقد ذكر الكاتبان أن بحثًا أجري على عدد من (المدراء) التنفيذيين المخضرمين، الذين تتجاوز أعمارهم الخمسين سنة، كان سؤاله فقط: إذا حصل حريق مفاجئ في مكتبك ما هي الأشياء التي ستحرص على أخذها من المكتب؟ وكانت المفاجأة أن الغالبية كانت إجابتهم هي: المذكرات وأرقام الهواتف. أي أنهم سيحرصون على إنقاذ ما سيبقي على علاقاتهم واتصالاتهم, ونتائج هذا البحث تؤكد أهمية رأس المال الاجتماعي (الخفي) للجميع بشكل عام وللقادة بشكل خاص.

والقيادة عملية جماعية واجتماعية تفاعلية، وليست عملية فردية جامدة, لذلك تقوم بعض الشركات اليابانية بأخذ (مدرائها) في إجازات خاصة لتجمعهم في مكان واحد لغرض تنمية علاقاتهم الاجتماعية وقربهم من بعضهم ؛ لأن ذلك يزيل الكثير من الحواجز ويحل الكثير من الأمور المعقدة في العمل، والتي ربما يصعب حلها في ظل عدم وجود علاقات اجتماعية بين (المدراء) والقادة.

ومن حسن الحظ أن قيادة هذا الوطن تعي أهمية (رأس المال الاجتماعي) وتطبق سياسة (الباب المفتوح) التي تنمي التوافق والتواصل الاجتماعي بين المسؤول والمواطن، فيصل الصوت واضحا بلا لبس أو تشويش، وتصل الطلبات والشكاوى إلى من يستطيع حلها في حينه، فتحل الكثير من الأمور بمجرد التقاء ولاة الأمر والحضور إلى مجالسهم أو مقر عملهم, بل إن كثيرًا من الأزمات حلت من خلال هذه اللقاءات الصريحة والأبواب المفتوحة التي توفر الحميمية بين المسؤول والمواطن. وقد أثبت لقاء أمير منطقة عسير بطلبة جامعة الملك خالد بديوان الإمارة يوم أمس سلامة هذا المنهج ومصداقيته، فهو المنهج الذي يكسر الحواجز ويحفظ الحقوق ويزيل العوائق, كما أثبت أيضا أن القيادة حفظها الله تضع هم المواطن وشكواه وخدمته في المقام الأول.

تتويت:

منهج الأبواب المفتوحة منهج أثبت نجاحه سياسيا وإداريا واجتماعيا, وهو أحد أهم مصادر ثروتنا الاجتماعية ورأس مالنا الذي تجب المحافظة عليه وتطبيقه بالشكل الصحيح في جميع المؤسسات الحكومية.