منذ الواحدة من صباح الأربعاء الماضي، وإلى ما قبل إعداد هذه المقالة، اطلعت على ما يقارب الـ1020 مطبوعة حول العالم، كان القاسم المشترك في طرح هذه المجموعة الضخمة من الصحف والمجلات أمرا واحدا لا ينافسه موضوع أو حدث آخر، رغم ضخامة وتداعيات الحدث السوري وحملة القصاص من المجرم الأوغندي جوزيف كوني، إنه موضوع السحر والإبهار والتألق المتناهي من المعجزة الكروية ليونيل ميسي.

هذا الشاب غير العادي دفع وسائل الإعلام عامة وهذه الصحف خاصة لأن تجعله محل متابعاتها وتغطياتها إن كان بالتحليل أو المتابعة أو الصورة أو المقارنة أو التقرير الموسع!!

في خمسة أيام هيمنت الحروف الخمسة المكونة لاسم ساحر وعبقري الكرة العالمية (Messi) على سطور وصفحات وزاويا وصور هذه المطبوعات، فكان ميسي خلالها وبحق، مالئ الدنيا وشاغل الناس. ولعل من الواجب أن أنوه أن ثلاثة أرباع هذه المطبوعات ليست رياضية متخصصة، لكن الزلزال الكروي الذي أحدثه فكر وعبقرية فتى روزاريو قبل قدميه كان يستحق الخروج عن عباءة السياسة والثقافة والفن والفكر وغيرها من مرتكزات مطبوعات تخصصية كثيرة، ولم يحرجها وهي تضع صورة الغلاف للفتى الأسطوري مع أساليب إخراجية متميزة لمجاراة حقيقة الإبداع الخاص لأيقونة الكرة وسادنها الأوحد!

اختزل ليونيل ميسي 57 عاماً، هي عمر مسابقة دوري أبطال أوروبا (انطلقت عام 1955)، في تسعين دقيقة هي عمر اللقاء الذي جمع فريقه الأسطوري برشلونة مع البطل الألماني باير ليفركوزن أمسية الثلاثاء الفائت، وليس هذا وحسب، وإنما استطاع بموهبته الفذة وقدراته الاستثنائية وفرادته الأدائية والمهارية أن ينوب عن ملايين من لاعبي كرة القدم في القارة العجوز، ويسجل خماسية كانت قابلة للزيادة لو أراد (كما قال مدربه وعاشقه الأول جوارديولا)، ويرتقي بنفسه سلم وهامة الكرة الأوروبية على مستوى الأندية، ويبرهن مرة بعد أخرى أنه الوحيد الذي اختارته بالفعل كرة القدم لإعادة صياغة نهج ورؤية عالمية في الألفية الثالثة لا تلتفت للماضي في شيء وتستند على مشروع إبداعي مبتكر (هكذا أسماه كل من السير ألكس فيرجسون والإيطالي أريجو ساكي) يقف عليه بتميز المدرب الإسباني العبقري بيب جوارديولا (لقب العبقري هذا أطلقه مؤسس مايكروسوفت بيل جيتس أحد عشاق برشلونة المشاهير على هذا المدرب) الذي درس وترعرع ونهل من فكر كروي هولندي مختلف بقيادة الأسطوري يوهان كرويف، بالتالي ليس متسغرباً أن يكون نتاج ميسي غير عادي وغير مألوف مع أن عمره لم يتجاوز أربعة وعشرين عاماً.

في هذه الأيام الخمسة كُتب (بضم الكاف) عن ليونيل ميسي أكثر بكثير مما نثر من أجله الحبر لأحداث مهمة مثل اضطرابات سورية، وملاحقة مجرم أوغندا جوزيف كوني، وأزمة إفلاس اليونان، وابتكارات ومفاجآت سامسونج في مؤتمر الموبايل في برشلونة، واليوم العالمي للمرأة، ومعرض جنيف العالمي للسيارات، وغيرها من أحداث حرصت وكالات الأنباء الدولية على متابعتها خلال هذه الأيام تحديداً، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على حضارة كرة القدم وعنفوانها واعتبارها مكوناً أساساً في منظومة اهتمامات بني الإنسان في أرجاء المعمورة في هذه الألفية، وكذلك مدى ما حققه ميسي من بعد دولي لكرة القدم عامة ولنفسه كرجل أحدث ثورة أدائية حطمت الأرقام وجعلتها تتهاوى الواحد تلو الآخر في صورة لم يقدر لاعب آخر سواه على القيام بها وبهذا التميز والهدوء والثقة.

هنيئا لكرة القدم بفتاها الأسطوري ليونيل ميسي، ومرحى لمن يستطيع اختزال السنين كما يفعل.