معرض الكتاب في الرياض يشكل نموذجاً للمجتمع الحي. أفخر كثيراً بالمجتمع الذي ينبض بالحياة الثقافية والفكرية وبالسجالات.

البعض تضايق من مشهد الأمن الكثيف، ورأى أننا يجب أن نتطور لنكون مسؤولين عن أنفسنا، وكل إنسانٍ يلزم نفسه ولا يؤذي غيره، هذا طموح رائع ومشروع، لكن يجب أن نتذكر الذي جرى في الجنادرية، أو في معرض الرياض السابق، والذي انتقد من علماء وفقهاء فضلاء ذلك أن من يسمي نفسه بـ"المحتسب" ليس شرطاً أن يكون عالماً بفقه الاحتساب، أو مدركاً للخلاف، بل ينهاك عن زيارة هذه الدار أو تلك، شراء هذا الكتاب أو ذاك، ولا يعرفون من الكتب إلا عباراتٍ يلوكونها منزوعة من سياقها، وهذا يحتم على الأمن أن يأخذ مسؤولياته، لأن الطموح بأن لا نرى مشاهد الأمن والباصات، من الأماني الواعية. لكن هناك فئة لم تدخل بعد حركة التاريخ، ومهمة الأمن حماية الناس من بعض الأفراد المنطلقين بأيديهم وألسنتهم.

معرض الكتاب وإن كان منظّماً من قبل جهةٍ حكومية هي وزارة الثقافة والإعلام غير أنه مشروع مدني حقيقي، الكتب معروضة أمام الجميع، من أراد أن يشتري، أو أن يقرأ أو أن يتصفح فهو حر، الخيارات كلها أمامك، دار النشر الدينية والأخرى الأدبية وصولاً إلى الفكرية والتاريخية والقانونية. خيارات معرض الكتاب تعبر عن خيارات الحياة. اعرض الجميع وضع قانوناً صارماً ودع الحياة تسير. هذه هي قيمة مثل هذه المعارض الجميلة والراقية.

حتى كتابة هذا المقال معرض الرياض لا يزال من النجاح بمكان. العائلات مرتاحة، والكتب المعروضة جاذبة.

رأيتُ صورة فتاةٍ تمر بجوار مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المعرض، من دون أن تتعرض للقمع أو الإيذاء، ويخبرني الزوار أن الهيئة في قمة التسامح والرقي في التعامل مع الآخرين، لا بل لمست شخصياً أثر ابتسامة أحد رجالاتها في المعرض وهشاشته وبشاشته التي تجعلك تقترب منه، ومما يدعو إليه، بدلاً من التجهم الذي يخلق حاجزاً بينك وبينه.

عنصر الشك لم يعد فاعلاً في المعرض كما هو في الشارع أو السوق، لهذا يمكن أن تستمر الهيئة في مثل هذا السلوك الذي ارتاح له الناس أن تستمر عليه حتى خارج المعرض.

قال أبو عبدالله غفر الله له: الحياة التي تحدثها النشاطات تحسّن من أمزجة الناس، يجدون ما يذهبون إليه، ليت المولات متاحةً للجميع، وأن تغرس الحدائق النضرة، بدلاً من أن يكون خيار العائلة بين "الملاهي" وبين "المطاعم" وحين يريدون أن يجددوا من زياراتهم لا يجدون خياراتٍ واسعة، فليعلمنا معرض الرياض "ثقافة التنوع"، و"تنوع الخيارات".