لطالما حاول الصديق صالح الشيحي أن يقنعني أن مدينة رفحاء تغرد خارج السرب بالنسبة لبقية مدن الحدود الشمالية، وأن هذه المدينة لا ينقصها إلا البحر أو النهر لتكون واحدة من أجمل مدن العالم، وفي ظني أنه لا يوجد شخص ينافس الشيحي في الثناء المبالغ فيه على مدينته ومسقط رأسه إلا الزميل الصحفي عبدالعزيز الشمري الذي يوهمنا أيضا أن حفر الباطن لا ينقصها سوى برج إيفل ومن ثم تختلط الأمور على زائريها فيظنون أنهم في باريس وليس في الحفر بسبب عناصر التشابه الكثيرة بين المدينتين!
الأسبوع الماضي زرت أهم مدن منطقة الحدود الشمالية وكذلك منطقة الجوف لأول مرة في حياتي، وهي زيارة متأخرة كثيرا إذ كنت أتمنى زيارة مثل هذه المناطق مبكرا كونها تمثل جزءا مهما وواسعا من بلادنا لكن الظروف والتسويف حالا بيني وبين تحقيق أمنيتي.
في عرعر لم أتمكن من النوم من شدة البرد ولا أريد أن أشغل القارئ بالأسباب والأشخاص الذين كانوا وراء (مقلب) تمثل في تركي في غرفة نوم بلا بطانيات سوى ملحف سرير خفيف جدا ولا يمكن أن يقي من برودة وصلت إلى ما يقارب من الصفر فجرا، لكن ما إن ظهرت شمس الصباح إلا وقد تجولت في كافة أرجاء المدينة التي لم تكن أيضا مغطاة إلا بمثل ذلك الملحف الذي كان على سريري فالمدينة كانت مكشوفة تماما ولا توجد بها أي لمسات جمالية أو مؤشرات نمو وتطور تتناسب مع تاريخها، ومع حجم الاعتمادات المالية التي تصرفها الدولة على كافة القطاعات، فقد صدمتني عرعر وكنت أعتقد أنها ستكون على خلاف ما رأيت فرغم القصور الشديد والعيوب الكثيرة التي تعاني منها المدن السعودية الأخرى لكنها تظل متقدمة كثيرا عن عرعر!
في عرعر أحرجني الأهالي وخاصة الإعلاميين منهم بترحيبهم وكرمهم وحسن تعاملهم، لكنني عندما عاتبتهم على دورهم السلبي تجاه منطقتهم كون المفترض فيهم أن يساهموا في النهوض بمدن المنطقة عبر نقد مستوى البنى التحتية والخدمات العامة والترفيهية والجمالية من خلال أقلامهم وعدساتهم وجدتهم صامتين ويقولون بلسان واحد في فمنا ماء.
ما فهمته أنه غير مسموح لهم بالشكوى والنقد أو ذكر النواقص والاحتياجات وأن هناك من يحاسبهم أو يضيق عليهم الخناق، حتى لا يوصلوا صوت المواطن لصاحب القرار وللجهات الفاعلة والمؤثرة إلى درجة أن من استخدم منهم وسائل الإعلام الجديد لم يسلم أيضا من اللوم أو التنبيه عليهم بما ينبغي أن يفعل وما لا يفعل.
ولست أدري إن كان هؤلاء صادقين فيما يقولون أم هي حالة تبرير عن حالة فشل وقصور لديهم.
بقي أن أقول إن الزميل صالح الشيحي عندما علم بزيارتي لمنطقته وعلم أن في جدول أعمالي زيارة لمدينته ومن ثم زيارته شخصيا غادر رفحاء إلى خارج السعودية وأغلق هاتفه وبالتالي حرمني من رؤية رفحاء التي صورها لي أنه لا ينقصها إلا بحر أو نهر!