أصبح لقاء الشباب السنوي مع الأمير خالد الفيصل في منتدى جدة الاقتصادي حلقة مضيئة تشع الحماس وتجدد الأمل وتقلص مساحة الإحباط التي تزرعها أرقام البطالة المتزايدة في نفوس الكثيرين.. ستة من الشباب السعودي (أربعة فتيان وفتاتان) صعدوا على منصة المنتدى لينشروا الفرح والبهجة والابتسام ويلهبوا الأكف بالتصفيق إعجاباً بروحهم وحماسهم وتفاؤلهم وبلاغتهم البسيطة المباشرة، وشفافية طرحهم وصراحتهم وتطلعهم إلى الأمل.
وقبل "الإشعاع" الشبابي وانطلاق تيار عدوى التفاؤل، تحدث الأمير خالد الفيصل، عن نظرتنا إلى "الجديد" في كل مراحل تطور مجتمعنا.. كيف رفضنا المخترعات وتوجسنا منها (السيارة – الراديو – التلفزيون) وكيف قبلناها وأصبحت جزءا من حياتنا، وكيف رفض البعض التلفزيون وخافوا منه ثم أصبحوا من نجومه، بل تسابقوا لامتلاك المحطات والقنوات. واليوم تؤكد الأرقام أن الشباب السعودي في مقدمة مستخدمي التكنولوجيا ووسائط الاتصال الحديثة في المنطقة العربية.. ونحن دائماً نخاف من الجديد ونتوجس منه لكننا نكتشف أننا في حاجة إليه، بل نتعلق به ونصبح أكثر شغفاً به. وهناك حقيقة ملازمة للتكنولوجيا يغفل عنها الكثيرون وهي أن لها وجهين إيجابيا وسلبيا، ونحن المسؤولون عن تغليب أحد الوجهين على الآخر. وتساءل الأمير خالد: كيف نجعل من التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي وسائل تسهم في التنمية.. وكيف نجعل من مستخدميها شركاء في التنمية؟.. وقال: أنا لا أتصور أن يبقى الشاب في مقعده الوثير مسترخيا ويكتفي بالنقد دون أن يساهم في التنمية، فقبل أن تنتقد غيرك اسأل نفسك: ماذا قدمت لوطنك؟ وأكد أن الحديث عن الشباب ودورهم والآمال المعقودة عليهم هو حديث عن حاضر ومستقبل الأجيال القادمة "عندما نهتم بالشباب يعني أننا نهتم بالمستقبل".
ثم انطلق الشباب يقدمون تجاربهم ومشاريعهم وآمالهم وطموحاتهم وتمنياتهم. ومما زاد الصورة جمالا وحيوية وبهاء أن التفاؤل هو السمة المشتركة بين الجميع، فلا شكوى ولا تذمر، بل ابتسامات وثقة ورجاء في أن يدرك المجتمع أهمية الالتفات إليهم حتى تتعمق تجاربهم وتترسخ نشاطاتهم. (محمد – ريان – آلاء – أنوار – هشام – عمار) كلهم أجمعوا على أن شبكة التواصل الاجتماعي كانت القاسم المشترك الذي مكنهم من التعرف على احتياجات مجتمعهم والتواصل مع أصحاب المواهب فيه والراغبين في خوض مجال التطوع لخدمته.. وهؤلاء الشباب لم يضيعوا كثيراً من الوقت في التنظير والافتراضات وانتظار المساعدة، بل بادروا إلى "الفعل" وكانوا "عمليين" جدا رغم طموحهم وحماسهم وتطلعهم إلى مستقبل كبير، واختارت كل مجموعة ما يتناسب مع قدراتها واهتماماتها ورغبتها في خدمة المجتمع. "محمد" قدم مشروعه ببساطة ووضوح، وقال إن وسائط التواصل الاجتماعي مكنتهم من التواصل مع المتطوعين وأصحاب الكفاءات والاتصال بالجهات والمؤسسات الأهلية المهتمة بمساندة برامج التطوع في المجتمع. وأشار إلى التحديات التي تعيق استمرار العمل، وكان من أبرزها صعوبة الحصول على الصفة القانونية للمشاريع التي يتبناها الشباب. وتحدث "ريان"، طالب الطب، الذي اهتم بقضايا السمنة في المجتمع وانتهى إلى تكوين مجموعته الهادفة إلى تقديم المساعدة للناس. ومرة أخرى تبرز شبكة التواصل الاجتماعي (البطل المحوري)، فهي التي سهلت عملهم ومكنتهم من التواصل مع قطاعات مختلفة من المجتمع وجمع المعلومات المتعلقة بالرياضة وأماكنها وكيفية خلق روح عامة بين الناس المهتمين بهذا الأمر. وتأتي "آلاء" لتقول ببساطة ووضوح وقناعة راسخة إن "الاستثمار" الحقيقي هو تطوير الإنسان، ولهذا بادرت بإنشاء "استثمار" التي تسعى لمساعدة ألف امرأة لتأسيس عمل رابح(!!!).. لا تعجبوا إنه الطموح والأمل والاجتهاد.. وستنفذ هدفها من خلال بناء شبكة تفاعلية تزود الراغبين في إنشاء أعمال بالمعلومات. أما "أنوار" فهي تعنى بقضايا البيئة والتركيز على التوعية والتعرف على المشاكل البيئية التي يعاني منها المجتمع.. ومرة أخرى كانت وسائط التواصل الاجتماعي هي "الوسط" الذي مكنهم من التعرف على القدرات الشابة المحلية المهتمة بقضية التوعية البيئية.. وطرح "عمار"، بحماس الشباب وعقل الشيوخ، مشروعه "كادر" الذي يركز على التوظيف الجزئي، وربط الشركات الباحثة عن الموظفين الجزئيين وطالبي العمل من الطلاب، ولهذا أنشأ موقعاً إلكترونياً يوفر المعلومات التي تساعد الشركات والطلاب للالتقاء من أجل إفادة الطرفين.. ويرى أن مشروعه يفيد الشباب ليعطيهم الخبرة والمهارات وزيادة الدخل، أما الشركات فيمكنها من الحصول على الموظفين الجزئيين والمساهمة في برامج توطين الوظائف (السعودة) ثم اكتشاف المواهب من الطلاب لتوظيفهم بعد التخرج.
ولم يجد الشباب المتحمس المتفائل الحرج في القول إنهم يواجهون مشكلات وعراقيل حقيقية تحتاج إلى مساندة، ومنها التعامل مع الجهات الرسمية وعدم وجود "حاضنة" أعمال تساعدهم على تذليل الصعوبات الأولى وتوفير النصح والتوجيه حتى يختصروا الكثير من الوقت والجهد. وضرب عمار مثالاً للصعوبات التي واجهته وهو يعمل في التوظيف من خلال موقع إلكتروني، فالمواقع الإلكترونية تتبع وزارة الثقافة والإعلام، والتوظيف يتبع وزارة العمل والتعامل مع الطلاب وتوظيفهم يرتبط بوزارة التعليم العالي، يضاف إلى ذلك قلة الجهات المسؤولة عن التمويل وقلة الخبرات الإدارية والفنية التي يمكنها تقديم استشارات للشباب، وأخيراً ضعف الدعم الإعلامي وعدم اهتمام وسائل الإعلام بما يفعله الشباب.
كان ذلك اللقاء "نافذة" أمل فتحها الشباب بروحهم وطموحهم على المستقبل، ومن حسن التوفيق أن تلقاها الأمير خالد الفيصل بالتأييد والتشجيع والوعد بأن يعمل على إيجاد حاضنة الأعمال التي ترعى الشباب الطموح حتى يحقق أهدافه ويسهم في نهضة بلاده.