على الرغم من أن التواصل الإبداعي والصداقات التي تنشأ بناءً على الاتجاهات الإبداعية والميول الشخصي البعيد عن المصالح الشخصية، تكون عادة من أوثق الصلات وأكثرها استدامة، إلا أنه لا يمكن إغفال أن الصراعات الفئوية والطائفية وحتى القبلية التي ترزح تحتها معظم الدول العربية والإسلامية، قد تؤثر بشكل سلبي على ذلك التواصل، مما يوجد حالة فتور وتوجس بين أصدقاء الفعل الإبداعي.
وقد حدثني أحد الزملاء أن التجاذبات الطائفية الحالية، جعلته يبتعد نوعا ما عن زملاء قدماء بسبب اختلاف الآراء حول عدد من القضايا السياسية والاجتماعية، ومع ذلك يؤكد أن التواصل معهم في مجال الهم الإبداعي باقٍ، حيث ما زال يتبادل الآراء مع الجميع حول قضايا الفن والإبداع. وعندما ننظر للأمر بشمولية أكثر نجد أن الأجيال الجديدة تعاني صراعا ظاهرا في جوانب الهويات التي تندرج ضمن الإطار الأشمل وهو الهوية الوطنية، فالشباب ـ من الجنسين ـ هنا في وطننا، وفي معظم الدول العربية، يعيشون في ظل تسارع التجاذبات القبلية والمناطقية والطائفية، فكل هوية من هذه الهويات الصغيرة تحاول القفز للمقدمة، لتصل ـ إن استطاعت واستطاع منظروها ـ إلى خط أطول من خط الوطن الذي يقف الجميع خلفه. هذا إلى جانب أن هناك أزمة وعي عامة في مجال الحقوق والواجبات ترفدها محاولة بعضهم جر المجتمع إلى الماضي الذي قد لا يتوافق مع الحياة العصرية التي يعيشها هؤلاء، وهو ما يولد حالات صراع أخرى داخل الأجيال الجديدة قد تخرج في بعض الأحيان على شكل سلوكيات مرفوضة قانونيا واجتماعيا.
ولذلك يمكن القول إن توظيف البعد الإبداعي سواء الأدبي أو الفني في تكوين لحمة وطنية راسخة لا تتأثر بعوامل الفئوية أو الطائفية أو القبلية ما زال يحتاج إلى دعم أكبر ورؤية أشمل لا تقتصر على جمع مختلف أطياف وتيارات المجتمع في فعالية ثقافية سنوية، غالبا ما تتكرر فيها الوجوه ذاتها. بل الأمر يحتاج إلى عمل يومي، يتوزع بين تنظيم المسابقات واللقاءات الثقافية والفكرية التي تبحث عن المختلفين في الرأي أكثر من بحثها عن المتفقين. وهذا لا يحتاج إلى إشهار منشط مرسوم له أن يتجادل هؤلاء على المنابر، فاللقاءات العفوية الجانبية في أماكن السكن أو مقر الفعالية فرصة أكبر للنقاش بحرية وشفافية بين الجميع، مما يعزز التفاهم والتعارف الذي قد يزيل الأفكار المسبقة التي يروجها المتطرفون من أي جهة، والأهم أن يكون الشباب هم عماد هذه اللقاءات لأنهم أصحاب المرحلة.