بحسب الدراسات التربوية والنفسية فإن ذهنية الأطفال تتفوق وبشكل كبير على الكبار في حالات التلقي والاكتساب اللغوي، حتى إن نظرية الاكتساب اللغوي لتؤكد أن قدرة طفل ما قبل المدرسة على تعلم لغة ما تزيد بأضعاف كثيرة على مقدرة من يتعلمها بعد أو أثناء سني الدراسة، ومنشأ ذلك – وفقا لتشومسكي – تلك الفراغات الذهنية المحتاجة إلى ملئها وأرشفتها، وهذا لا يتوافر إلا في الطفل الذي لم يبلغ السادسة بعد حيث تنبني شخصيته وتتأسس وتظهر أبعادها من الأشهر الستة الأولى وحتى الخامسة من بواكير العمر الطفولي المزهر.

هنا يلزم الوالدين ودور الرعاية ومؤسسات الطفولة ودوائر الإعلام بشتى صنوفها أن يوفروا لهذا الكائن الذكي ما يملأ فراغاته الذهنية بما يقوي تركيبه، ويرقي عمليات التفكير لديه ويعمل على صقل بصيرته اللغوية وحاسته النقدية، ناهيك عن جماليات الفن الذي يضفي على شخصيته حبا وألفة ورقة وحسن تصرف.

إن ما يعانيه الطفل العربي اليوم من تأطير لرؤيته بناء على ما يتلقاه من درس رتيب مكرور في المدارس، إضافة إلى تأثره الواضح بما يمليه عليه ويحقنه به بعض معلميه النمطيين المتقادمين ورزوحه تحت وطأة التلقين في غير إثارة لتفكيره وجعله يقصد التعلم ذاتيا بحب ومتعة إنجاز مع كل تراكم معرفي أو اكتساب مهاري.. كل ذلكم يلزم التنبه إلى أن مخرجنا من الطلاب لن يتعدى ما نراه في شوارع مدننا وطرقاتها وأسواقها من شباب ضحل الثقافة غامض الأهداف مطواع لكل رياح تهب، ولاهث خلف كل صيحة.

أتذكر جيدا - وكثير منكم - أن البرامج المتلفزة التي كانت توجه للطفل في ثمانينات القرن المنصرم عملت على تشكيل محددات ثقافية لعقولنا آنذاك، فاطلعنا وحضرنا عددا من الروايات العالمية والقصص الواقعية في إطار ما نشاهده من رسوم متحركة، لعل من أبرزها سلسلة "حكايات عالمية" و"هايدي" و"فلونة" وغيرها من مثل تلكم الروايات التي عملت على رفد دخلنا اللغوي وإثارة تفكيرنا من خلال توقع الأحداث المقبلة وتوسيع مداركنا المعرفية من خلال التجوال بين الدول والجزر والاطلاع على الثقافات وأساليب العيش المختلفة في المجتمعات.

وبمقارنة سريعة مع المعطى الذي يشاهده أطفالنا اليوم نصل إلى سبب واضح فيما نراه من حدة طباعهم، واعتمادهم على الخيال المفرط بعد تلقيهم برامج وأعمالا من نسج الغرائبية التي تنأى بهم عما يعيشونه في حياتهم فيما تقربهم من عوالم سديمية لا وجود لها، ثم تحل الصدمة حين يدلفون إلى فصولهم المدرسية حيث لا يزال المعلم يكرر "أكل محمد التفاحة".