كل شيء يمكن أن يغيب أو يغير ملامحه عن عدسات المصورين، وربما يتيح لناظريه أن يفهموه شكليًا بأكثر من معنى، بيد أن الملامح العفوية لخطوط وجوه الكادحين لا تسمح لتعرجاتها وأوجاعها أن تحيد عما هي عليه، راسمةً بذلك حياة أخرى سيصلها الشباب عما قريب. وأمام هذا المشهد الجميل يقف المصور السـعودي مفيد المهنا متذوقًا وحائـرًا معًا، لأن أولئك "الكادحين" يحملون ويجرون مع عرباتهـم وسط الأسواق أرطالاً من الأعوام المتعبة لا يمكن إخفاؤها؛ ومن يحاول في ذلك - بحسب وصفهم - فهو يتجرد من الذات الكادة على عيالها ليل نهار.

وأشار المهنا خلال لقائه "الوطن" إلى مكوثه طويلاً وسط الأسواق الشعبية، يفتش ويقلب في تلك الحقب الزمنية لمن أمضوا سنواتهم المنهـكة في البيع، ومرت على وجوهـهم آلاف الشخوص التي تتـبدل، ويبـقون هم يصارعون ملامح ملئت شيبًا أشهب، فكل صوره تحمل معها حكاية، ومَن هو صاحبها والأحداث التي مرت عليها؛ حتى صيرتها بهذه الكيفية لتجمع تضادًا من الذبول والذهول.

ويضيف "لقد تجولتُ كثيرًا في الأسواق الشعبية الكبيرة؛ لتصوير كبار السن لما يختزنونه من بساطة في التعامل بالبيع والشراء، وارتباطهم بقديمهم وما عاشوا عليه في أيام صباهم وجمعهم بين الماضي والحاضر, وحينما تقف العدسة أمامهم نرى من خلال ثقوبها المعنى الحقيقي للموروث التاريخي للأجيال السابقة، ونحار ماذا نختار من زوايا وجوههم، أنبدأ من العيون المغطاة بالجفون، أم الحاجبين المثقلين بشعرٍ أبيض كالهلال النحيف، وحينما يقع الخيار على التعب نفسه، ما عليك سوى وضع "الكاميرا" جانبًا والتمعن في سَرَحان عجوزٍ كبيرٍ، يشعل بين أصابعه "سيجارة" تنفس دخانها لأكثر من خمسة عقود، وفي لحظة ما يؤكد لنا أن التعبير خانه في حبه للحياة يومًا ما، وبقي يتذكر - إن أسعفته الذاكرة - شبابه وطفولته ليخبرهما بما فعل المشيبُ - كلما مر به طفل يافع.