استطاع أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل على مدى ثلاثة عقود ماضية تحويل السياحة في منطقة عسير بصفته أميراً لها وقتها ، من برامج محدودة تقوم بالإشراف عليها لجنة فرعية في الإمارة إلى صناعة واعدة ورافد قوي لدعم السياحة الوطنية ، في حين تمكن أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد من مواصلة الركب برؤى جديدة وآفاق أرحب، تواكب تطورات العصر ومتطلباته، واضعاً نصب عينيه سياحة مستديمة، ذات بنية تحتية شاملة، وبإستراتيجية واضحة الخطى والمعالم. وفي رصد لمسيرة السياحة في عسير يتضح إدراك الأمير خالد الفيصل في بدايات قصته مع السياحة بأن الأرض البكر، وروعة الأجواء والتضاريس - في منطقة واحدة تجعل منها منطلقاً لتوظيفها لبذر نواة السياحة ، لاسيما وأن المنطقة بها الجبل والصحراء والساحل والبرح، ويتبع ذلك التنوع التضاريسي والمناخي - تجعلان السياحة تنطلق من أرض صلبة إلى أفق أوسع. في حين أن السياحة كانت وقتذاك خيارا إستراتيجيا، على اعتبار أن التجارة لم تكن سوى استهلاك فقط، فضلاً عن عزمه تعريف ابن الوطن بجزء غال من الوطن يمتلك مقومات طبيعية، من شأنها أن تتحول إلى رافد اقتصادي في يوم من الأيام. ولم يهمل رجل السياحة الأول ما تتميز به المنطقة من غطاء نباتي، كان جديراً بأن تتم المحافظة عليه، والحد من عمليات الاحتطاب الجائر، بل امتد إلى معاقبة المسيئين إلى البيئة.
تأسيس أول متنزه
وكانت نقطة انطلاق السياحة بتأسيس أول متنزه وطني في المملكة بمنطقة عسير؛ وذلك أثناء زيارة اللجنة السعودية الأميركية المشتركة للتعاون الاقتصادي في عام 1395، وصاحبه شق الطرق وسفلتتها، وتزويد المتنزه ببعض الخدمات مثل التشجير والطرق والمياه ، ليحصل المتنزه بعد ذلك على شهادة استحقاق من الاتحاد الدولي لحماية وصيانة الطبيعة (IUCN) في عام 1990، ومع ظهور بوادر السياحة وزيادة أعداد زوار المتنزه والمنطقة ، قامت فئات من المجتمع بمقاومة تلك التوجهات ، إلا أن قدرة خالد الفيصل الفذة أسهمت في إقناعها بجدوى السياحة ، وأنها ستكون في يوم من الأيام مصدر دخل، لا يستهان به فضلاً عن تحقيقها للعديد من الفرص الوظيفية لأبناء المنطقة.
إدارة للتطوير السياحي
وكانت الخطوة التالية بعد متنزه عسير الوطني تأسيس شركة عسير التي تعنى بإقامة منتجعات سياحية والاستثمار في ذلك الجانب، فيما بادر الأمير خالد الفيصل وفي اتجاه رسمي عام 1400 بإحداث إدارة للتطوير السياحي لأول مرة في المملكة بإمارة منطقة عسير ، في إشارة إلى بدء العمل المؤسسي للسياحة في المنطقة وبدء لفت الأنظار إلى المنطقة، ووسط ارهاصات تحولية ومفصلية بدأ التحول الأهلي نحو السياحة متمثلاً في إقامة بعض الفنادق والمراكز السكنية والخدمات المساندة المحدودة، ولكن ذلك كان على نطاق ضيق .
الأنظار تتجه إلى عسير
في عام 1407 لاحت في الأفق بوادر حركة جادة على الصعيدين الرسمي والشعبي نحو التوجه السياحي، فانعقد المؤتمر الثالث لرجال الأعمال السعوديين في أبها تحت عنوان "فرص وإمكانات الاستثمار السياحي بالتطبيق على منطقة عسير" وفي العامين التاليين شهدت المنطقة حراكاً سياحياً تلاه تأسيس الشركة الوطنية للسياحة عام 1410، التي كانت بذرة جيدة لتنمية السياحة والتأسيس لمشروعاتها، وفق خطة طويلة المدى لاسيما بعد قناعة المسؤول والمواطن بأهمية السياحة، بعد قرابة عشر سنوات من الترويج للفكرة والإقناع بها.
البنية التحتية للسياحة
أدرك خالد الفيصل أن السياحة باعتبارها صناعة، لابد لها من أرض صلبة تنهض عليها، ألا وهي البنية التحتية للخدمات الأساسية التي تعد إحدى مقومات السياحة، وتزيد من النهوض بها، وتدعم ثقة المواطن السعودي في أهمية السياحة الداخلية، وانعكاساتها على دخل الفرد والوطن.
ولذلك بدأ التركيز على مشروعات المياه، والطرق، والكهرباء، باعتبارها أساس الانطلاق لباقي الخدمات، فتأسست بالمنطقة شبكة طرق جيدة رغم التضاريس الصعبة مع التركيز على شبكات الطرق الداخلية للمدن، وأنشئت السدود، في حين كان مشروع تحلية مياه البحر الأحمر - الذي تضخ مياهه إلى ارتفاع 2300 لأول مرة في العالم لتصل إلى مرتفعات عسير - صمام الأمان لمشروعات التنمية عموماً، وضمنها بطبيعة الحال مشروعات السياحة. وفي مجال توفير الكهرباء لمرافق التنمية قامت الشركة الموحدة للكهرباء بالمنطقة بالتوسع في خدماتها لتطال معظم مدن وقرى المنطقة.
المواطن مستثمر سياحي
بعد أن توفرت معظم الخدمات الأساسية شهدت منطقة عسير عموماً وأبها خصوصاً نهضة عمرانية شارك فيها المواطن بفاعلية، وسط دعم من الدولة لإحداث مخططات جديدة وخدمتها، وهنا انطلق إنسان عسير للاستثمار في السياحة ولو بطريقة غير مباشرة أو مقصودة منه، مثل بناء الدور السكنية وتأجيرها على المصطافين صيفاً، وكذلك إقامة المطاعم وبعض المراكز التجارية، ما أحدث قناعة لدى المواطن بأن السياحة الداخلية بدأت تؤتي ثمارها وتدر دخلاً جيداً على المنطقة وسكانها، فضلاً عن أن أنظار المستثمرين والشركات السياحية بدأت تتجه إلى عسير بصورة أفضل من ذي قبل.وأقنع خالد الفيصل عدداً من رجال الأعمال بأنهم شركاء في التنمية، قبل أن يكونوا تجاراً، وخاضت المنطقة تجربة لإعمار بعض المخططات عن طريق تقديم الدولة مخططات لرجال الأعمال بسعر مخفض، على أن يقوموا بتعمير نصفها ، والنصف الآخر من حقهم التصرف فيه.
تنوع المناشط السياحية
نجح الأمير خالد الفيصل في إحداث نقلة نوعية في مسيرة السياحة في المنطقة، وذلك بإصراره على تنوع برامجها الدينية والثقافية والاجتماعية والرياضية والتربوية، فأخذ يوجه بإقامة برامج تلبي كافة احتياجات الأسر والفئات، ليجد السائح مبتغاه، وأخذت المهرجانات السنوية تقام بشكل دوري، وكذلك الملتقيات الصيفية، وتم إشراك محافظات المنطقة في برامج الصيف، ومن ثم غدت أبها مناراً للسياحة، وكانت مقصد العديد من الدول العربية والخليجية، لاسيما بعد تشييد العديد من فنادق الخمس نجوم، وإحداث مدينة أبها الجديدة، ومنتجعات بالسودة والحبلة، وعلى ساحل البحر الأحمر، إضافة إلى فكرة العربات المعلقة، واستضافة العديد من البطولات الرياضية.
فيصل يكمل المسيرة
لم يكن أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد حديث عهد بالسياحة، فله مع عسير زيارات وجولات، وكثيراً ما رافق ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في زيارات متتابعة لعسير، وبتعيينه نائباً لأمير منطقة عسير، اطلع عن كثب على تجربة السياحة في المنطقة، وساند أميرها لسنوات عدة في تنمية السياحة وتهيئة البيئة الخصبة لها، فضلاً عن رئاسته لسنوات لمجلس التنمية السياحية في المنطقة.
سياحة عسير المستدامة
حرص الأمير فيصل بن خالد على تحقيق فكرة السياحة المستدامة، وتحويلها من موسمية صيفية إلى صيفية شتوية على مدار العام؛ على اعتبار أن منطقة عسير بها من المقومات الطبيعية ما يؤهلها لذلك ، فهي تتربع على أعلى قمم جبال السروات، وتطل على جزء كبير من ساحل البحر الأحمر يمتد لأكثر من 240 كلم، ولذلك سارعت العديد من الجهات الحكومية والقطاع الخاص لزيارة ساحل عسير البحري، وإجراء الدراسات اللازمة لتطويره، ومن ثم تحويله إلى منطقة جذب سياحي خلال فصل الشتاء.
خدمات سياحية جديدة
واكب الأمير فيصل بن خالد تطلعات القيادة الرشيدة للاهتمام بالمواطن، فحرص على أن تكون برامج الصيف تستهدف كافة الشرائح وتعمل على تثقيفها، وانتهج أمير عسير سياسة الشراكة بين الجهات الحكومية والمواطن لتنمية عسير وسياحتها، فكثيراً ما يلتقي الأهالي بصفة دورية.
وظهرت على السطح روافد جديدة لدعم برامج السياحة من أبرزها تعدد أنواع الطيران الصيفي سواء الشراعي أو أنواع مختلفة من الطائرات، وتم الشروع في إحداث متحف عسير الإقليمي، والتوسع الأفقي في بعض المتنزهات في المنطقة، فضلاً عن زيارات أمير منطقة عسير المتلاحقة لمواقع الاصطياف والتنزه، بهدف رصد الملحوظات التي تطرأ، وتقديم خدمات متميزة للزوار.
استراتيجية جديدة للسياحة
نجح الأمير فيصل بن خالد بالاشتراك مع الهيئة العامة للسياحة في صياغة إستراتيجية جديدة للسياحة، تحمل رؤية ثاقبة لتطوير السياحة واستشراف مستقبلها، وتضمنت إستراتيجية تنمية السياحة في المنطقة وصفاً عاماً للمنطقة، ورؤية وأهداف خطة السياحة، والموارد السياحية، والفرص الإيجابية والتهديدات والمخاطر، وتحليل البيئة الداخلية والخارجية لمقومات السياحة، وآلية تطوير المواقع السياحية وتحليل السوق وملاءمة المنتج له، وإستراتيجية وأدوات وأساليب التسويق، وتنمية الموارد البشرية.
وتعول هيئة السياحة من الإستراتيجية في إفادة رجال الأعمال الذين ينوون الأستثمار السياحي في منطقة عسير، وكذلك المواطنين لمعرفة مستقبل السياحة في منطقة عسير والآهداف المنشودة خلال السنوات القادمة، ويُنتظر من الهيئة العليا للسياحة أن تعمل بجد على أرض الواقع وأن تهتم في تنشيط السياحة وإعادة هيكلة برامجها وتنفيذ توصياتها وإستراتيجياتها لكي نصل للهدف المنشود؛ وهو جعل السعودية بلداً سياحياً غنياً بمنشآته السياحية وآثارة ومعالمه وأجوائه وطبيعته الخلابة.
وخلال الفترة من 1428 إلى 1431 أعدت الهيئة العامة للسياحة دراسات لعدد من الواجهات السياحية باعتبار أن عسير تشتمل على أربع واجهات سياحية (جبلية، بحرية، صحراوية، سهلية) .