يعتمد النظام الإيراني على الانتخابات البرلمانية ليثبت للعالم أن الشعب الإيراني يدعمه بقوة. جميع القنوات التلفزيونية الرسمية في مرحلة الإعداد مليئة بالدعايات التي تروج للانتخابات البرلمانية وضرورة مشاركة الناس فيها. النشيد الوطني، أعلام إيران، وحتى الأغاني القديمة التي تثير الحس القومي يتم بثها بشكل متكرر. الصحفيون يسألون الشباب وكبار السن والنساء عما إذا كانوا سيشاركون في الانتخابات، وجميع من يتم عرضهم على التلفزيون يجيبون بـ"نعم" ويتحدثون عن أن الذين لا يذهبون للإدلاء بأصواتهم هم أدوات يستخدمها أعداء إيران لإضعاف موقفها ومسيرتها الديموقراطية.

بعد ذلك يعرض التلفزيون مشاهد للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي وهو يشجع الناس على الخروج يوم الانتخابات والإدلاء بأصواتهم لإحراج أعداء إيران. كما تعرض مشاهد أخرى لبعض كبار رجال الدين وهم يقولون للناس إن المشاركة في الانتخابات هي واجب ديني. إذا أخذنا هذه الدعايات المكثفة والدعوة الكبيرة للناس، فإن المشاركة في الانتخابات ليست بالحجم والكثافة التي يرغب بها النظام. الناس المحبطون بسبب الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في صيف عام 2009 ليست لديهم الرغبة للمشاركة بشكل كبير والمساهمة في إرسال المرشحين المحافظين إلى البرلمان. المنافسة هي بين أنصار النظام ومؤيدي المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. الإصلاحيون الذين قاطعوا الانتخابات منذ فترة طويلة ليس لديهم أي مرشحين في هذه الانتخابات البرلمانية التاسعة. منذ عدة أشهر، وضعت المعارضة الإصلاحية شرطا للمشاركة في الانتخابات وهو أن يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين و رفع الإقامة الجبرية عن الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين يخضعان للإقامة الجبرية منذ عام تقريبا. وحيث إن أيا من هذين الشرطين لم ينفذ قرر الإصلاحيون مقاطعة الانتخابات البرلمانية.

المجموعات الأخرى مثل الحركة الدينية الوطنية قاطعوا الانتخابات أيضا وتبعتهم جماعات المعارضة الموجودة في خارج إيران التي ناشدت المواطنين الإيرانيين بأن يلتزموا بيوتهم ولا يشاركوا في الانتخابات البرلمانية في الثاني من مارس، ولكن إلى أي مدى سيتبع الناس العاديون رغبات مجموعات المعارضة؟ يظهر تاريخ الانتخابات في إيران أن الانتخابات البرلمانية لا تستقطب مشاركة واسعة، لكن النظام بذل جهودا مكثفة خلال العام الماضي لدعوة المواطنين الإيرانيين للخروج هذه المرة وحذرهم من أن عدم المشاركة يضر بالأمن القومي وأن أصواتهم ضرورية لمنع أعداء إيران من الاعتداء عليها وتهديدها. بالطبع هناك فئة كبيرة من الناس يعتبرون المشاركة في الانتخابات واجبا دينيا، ولذلك فإنهم سيشاركون في الإدلاء بأصواتهم تحت أي ظرف من الظروف. أبناء القرى والبلدات الصغيرة ينتسبون عادة إلى هذه الفئة التي تشارك في التصويت بشكل روتيني، لكن الناس بشكل عام مستاؤون بسبب الأزمة الاقتصادية والعقوبات الدولية التي تجعل الحياة صعبة عليهم؛ وآخر شيء يريدون أن يفكروا به هو دعم السياسيين الذين يحتاجون أن يستخدموهم أمام المجتمع الدولي لمصالحهم الشخصية.

الوقت الوحيد الذي شارك فيه الإيرانيون بشكل واسع ومكثف في الانتخابات البرلمانية يعود إلى الفترة التي أصبح فيها محمد خاتمي رئيسا لإيران لأول مرة. في الانتخابات البرلمانية السادسة خرج الناس بقوة لدعم المرشحين الإصلاحيين حتى يتمكنوا من السيطرة البرلمان ويجعلوه متناغما مع الحكومة. منذ ذلك الوقت أصبح عدد المشاركين متوسطا في الانتخابات البرلمانية. عادة يقوم مجلس صيانة الدستور في إيران بالمصادقة على شرعية المرشحين في الانتخابات، وهو يتخذ موقفا سلبيا من الإصلاحيين والعلمانيين ويعتبرهم غير مؤهلين لترشيح أنفسهم في الانتخابات، وفي غياب الخيارات الحقيقية يصبح اهتمام الشعب بالمشاركة أقل. من المثير للسخرية أن جميع المرشحين في هذه الانتخابات البرلمانية ينتمون جميعا لتيار المحافظين وهم يتنافسون فيما بينهم. هناك عدة قوائم للمرشحين، لكن ما يجعلهم يختلفون عن بعضهم البعض – فيما عدا أسماء الجماعات- هو أن اختلافهم يكمن في أن بعضهم يؤيدون حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد وآخرين يؤيدون المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، حيث يعتقد أنصار خامنئي أن أحمدي نجاد ليس محافظا بما فيه الكفاية، ولذلك فإنهم يعتبرون تأييد مرشحي المرشد الأعلى واجبا يجب على المحافظين تنفيذه.

الفرق الوحيد الذي يميز هذه الانتخابات هو إلغاء المعارضة الوحيدة لهذا النظام والتي تتمثل في الإصلاحيين. هذه الانتخابات بالتأكيد سوف تؤدي إلى تطرف النظام أكثر إذا فاز مؤيدو المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي بأغلبية مقاعد البرلمان. الرئيس أحمدي نجاد أمامه حوالي ثمانية عشر شهرا حتى نهاية فترته الرئاسية وبعد ذلك ليس من الواضح ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية سوف تأتي برئيس أقل مواجهة مع المرشد الأعلى من الرئيس أحمدي نجاد، لكن نتائج الانتخابات البرلمانية قد تعطي انطباعا عن التوجه العام للشارع الإيراني. وهناك احتمال بأن تكون صفحة الانتخابات الرئاسية قد طويت نهائيا حيث إن هناك إشاعة بأن المرشد الأعلى يفضل شكل حكم يكون فيه رئيس وزراء بدلا من إجراء انتخابات مفتوحة لاختيار رئيس من قبل الشعب.

الانتخابات البرلمانية التاسعة هامة في عين النظام، لكنها ليست كذلك عند الشعب. ما يزعج الناس أكثر من أي شيء آخر هو عرض تمثيلية أمام عدسات الكاميرا تظهر الرضا الشعبي بقيادته. وفي الوقت الذي تنام فيه إيران كلها يوميا وهي تشعر بخطر حقيقي من احتمال نشوب حرب ضدها، فإن ما يريد الناس سماعه هو أن يستطيعوا أن يعيشوا بسلام وأن يوضع حد لـ33 عاما من القلق. متى سينتهي هذا الكابوس؟ الله أعلم!