كلما تأملت في المشهد السوري الفاجع حامت أسئلة حيرى ونزف جرح الضمير..
من الذي أتقن صناعة السفاح..؟ من أين جاء؟ كيف نما وترعرع! وفي أي مسلخ نشأ وتعلم؟
هل كان له في طفولته دمى يلعب بها..؟ هل عاش حياة طبيعية مثل كل الصبية المدللين..؟ وكيف استطاع الجمع بين مهارتين ربطة العنق وعقد الحبال وإحكام وضعها على رقاب مواطنيه؟
إنه يتفوق في كل شيء، ولا أحد من بين الضحايا أو المتعاطفين يرقى إلى مصاف إبداعاته في تصميم المذابح أو يضاهيه في شبق السباحة في برك الدم.
ما يزال الشيطان تلميذاً مبتدئاً دون مستوى الارتقاء إلى سدة الهاوية في مجاراة الرئيس السوري بشار الأسد.. معارفنا بسير الطغاة والمستبدين ذات طابع كلاسيكي، لهذا نتحدث عن مفردات قديمة.. المشانق، المجازر، عمليات القتل.. في حين يمضي الأسد نحو مآثر غير مسبوقة تخلده رمزاً تاريخياً يجسد صورة وخصوصيات نظام استثنائي.. ما كنا نردده سابقا عن تفنن الطغاة في امتهان جسد الضحية صار اليوم و بفضل الرئيس الشاب من نفايات ماض أقل وخزاً للذاكرة، إذ لم يعد قلع الأظافر مقبولا في السجون السورية، بل تطور الأمر لاحقا إلى نزع الحناجر.
نرجسية السفاح، لا تقتصر على ارتكاب المجازر وإنما استخدام الصواريخ وإقامة "زارات" شواء جماعي.
ما أسوأ لؤم الدهر حين تتحرك عقاربه على هدى من المكر.. في حال كهذا فإن الزمن يرغم الإنسان على عض لسانه مكفراً عن المقولات المبهرة "أُمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة"..
أمة بأسرها و تراثها وخيراتها والملايين من أبنائها وبناتها.. أمة تتمدد وتنهض وتتعثر وتسمع نفيرها وشخيرها.. وهي لا شك ذات رسالة واحدة.. ثم ماذا؟ ثم لا يكون لها ولي أمر وسيد نعمة يقودها غير أشراف العائلة العلوية وكرباجها النابض في قلب المدن التي حطمت القذائف أبوابها وهي على رأي شوقي " بكل يد مضرجة تدق!"..
لست تدري عماذا تتحدث.. عن موتى دون أجداث. أم صواريخ من غير فطام..
إن دمشق في ظرفها الراهن أشبه بكرة مغناطيسية تستقطب إليها مختلف شرور العالم، ونادرا ما كانت الدوافع الإنسانية المحضة قائمة لذاتها ومنافحة عن سورية والسوريين لمجرد التعبير النبيل عن انحياز الإنسان إلى جانب حق أخيه في الحياة.. بيد أن (بعض الشراهين من بعض) حد اعتقاد الشعراء.. وهنا تبدو التحركات الدولية بقيادة الولايات المتحدة لمساعدة الشعب السوري على الخلاص من قبضة الديكتاتور الأرعن ضمن فرص إعادة الاعتبار لإنسانية الغرب أكثر مما نتوهمها في خدمة قضية عادلة.
وفي المقابل يغدو الغطاء الروسي الصيني لصالح نظام الأسد - يغدو هو الآخر- كما لو كان اعتذاراً علنياً عن صفحة مرصعة بمواقف هاتين الدولتين ومساندتهما - في الماضي- نضالات الأمة العربية في سبيل استعادة الحقوق المشروعة والتحرر من نير الاحتلال الصهيوني للأراضي المغتصبة وإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها التاريخية والدينية.
إننا إزاء كارثة لا تحتمل المزيد من الممرات بحثاً عن مبررات تدخل فوري حاسم يوقف تداعياتها المؤرقة ضمير وإنسانية الإنسان أيًا كان لونه أو هويته أو ديانته..
وما لا يدركه العالم بمنظماته الدولية المختلفة أن المداولات المطولة التي أمضتها الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن لتدارس خيارات إنقاذ سورية قادت الأسد لمضاعفة دروس الإبادة التي يواجه بها شعبه نكاية بهذه المؤسسات أو تلك الدول المتعاطفة مع المجتمع السوري.
سيكون علينا ـ والمدن السورية الآهلة بالسكان تحترق وقاعدة الشواء تتسع ـ أن نسأل: لماذا ترتفع حساسية الولايات المتحدة ويتصاعد حرصها على الإجماع الدولي وتجهد نفسها في البحث عن مشروعية التدخل – فقط – عندما يكون ثمة دواع إنسانية ومبررات أخلاقية مكتملتا التسويغ فيما لا نراها بمثل هذا المستوى من الحرص حين يتعلق الأمر بإستراتيجيات النفوذ والهيمنة وملاحقة من تعتقدهم خصوما..
ولماذا تختلف معايير الجاهزية الأميركية في حالات لا سبيل لحصرها بينما تتحول إلى سلحفاة بطيئة في حالات أخرى؟
والآن؛ وقد طال أمد الذرائع وأسرف الحاكم في عمليات الإبادة، وصار لدينا مثال مصغر للهيلوكست النازي.. هل تتحول مأساة سورية إلى ملهاة؟
ولئن كانت الدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن قررت الانتظار حتى يأتي جيش الأسد على آخر مواطن سوري.. وإلى أن يصبح الحكم على النظام العالمي الجديد شأناً يخص التاريخ فإن السهام تتجه صوب حقل نوعي في خاصرة الأمة العربية.. فلأي سبب يتراخى قادة المعرفة عن القيام برسالتهم إلى جانب الضحايا؟
ولماذا يؤثر المثقف العربي الحذر من استثارة ثوابته القيمية والمشاركة في استنهاض الضمائر الحية للوقوف في صف الشعب السوري ومؤازرة طلائعه الثورية؟
حسب المثقف العربي اعتزازا تصدر الكاتب السوري الكبير برهان غليون شرف السبق في مقارعة أعتى نظام استبدادي وإحالة القيم النظرية إلى روح خلاقة تسري في أوساط الشعب فتبعث فيه الحمية والجسارة وتحفزه على المقاومة واسترخاص التضحيات الجسيمة في سبيل الحرية وحل وثاق وطن سرقته الإيديولوجيا و أودعته القيادات البعثية المحنطة جيب حاكم لم يغادر طور المراهقة.