تقدير قيمة حياة الإنسان بثمن هو إحدى المعضلات الأخلاقية والعاطفية منذ الأزل، فهي نفيسة وغالية لارتباط حيوات أخرى بها، كارتباط حياة الأم بطفلها وارتباط حياة المسن بشريكة حياته المسنة. وضع سعر لحياتك أو حياة عزيز عليك قد يبدو صعبا للغاية، خاصة بعد عصور العبودية، ولكن ليس لدى الإحصائيين وصناع القرار. قيمة الحياة الإحصائية هي القيمة التي تستخدمها القطاعات الحكومية لتقييم مدى فاعلية وأهمية قرار أو تنظيم ما. هذه القيمة تمثل التكلفة الهامشية للوقاية من الإصابات والموت المبكر، بإذن الله، في حالات ومواقع معينة، وهي ذات أهمية في العلوم الاقتصادية والصحية والبيئية وغيرها.
الذهاب لمقر العمل في أغلب القطاعات الحكومية وغير الحكومية هو مجازفة يومية خطرة، فالمواطن يقضي حوالي ثماني ساعات في مبان ومكاتب غالبا ما تفتقر لوجود عيادة، وقد يكون أقرب مرفق صحي على بعد ساعة أو أكثر إما لمسافة أو زحام مروري. ومع ذلك فإن المغامرة اليومية تستمر من قبل ثمانية ملايين موظف وعامل ما بين مواطن ومقيم في المملكة للذهاب لأعمالهم التي لم تكترث لحساب قيمة حيواتهم كما تكترث لقيمة العمل المنجز.
قيمة الحياة الإحصائية لهذه الملايين العاملة في القطاعات غير الصحية لا وجود لها، ولعلها لم تحسب، والدليل على ذلك لوائح وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل التي تصب في مصلحة إنجاز العمل، ونادرا ما تحوي شروطا لسلامتهم وأقلها شرط إكمال المتقدم لدورة الإنعاش القلبي الرئوي والإسعافات الأولية. فكم من موظف غيبته نوبة انخفاض سكر في مكتبه الوزاري.. وكم من معلم باغتته ذبحة صدرية في فصله.. وكم من طالب مات اختناقا بقطعة حلوى.. وكم من عامل بناء سقط من أعلى سور، كان بالإمكان ـ بعد مشيئة الله ـ إنقاذهم من موت مبكر أو المساعدة في التقليل من عجزهم المستقبلي لو أن من حولهم من موظفين وعمال تدربوا على الإنعاش القلبي الرئوي والإسعافات الأولية.
الانتقائية المرضية تتجلى في أروع صورها يوميا عندما يعتقد المخططون والإحصائيون أن المرض والإصابة ينتقيان توقيتهما ومكانهما، وأنهما لا يحدثان الا في مرفق صحي، ولذلك فإن دورة الإنعاش القلبي الرئوي هي من متطلبات التوظيف والعمل بالقطاع الصحي فقط إلا ما ندر من الشركات الكبرى. هذه الانتقائية المرضية ناتجة عن انفصال في الفهم لمعنى سلامة الموظف والعامل واختزالها في خطة إخلاء لحريق وقصور في فهم أنها حق من حقوقه الواجب توافرها في بيئة عمله. هذه السلامة لا بد من تأمينها في القطاعات الحكومية غير الصحية، إما بعيادات في كل مبنى، وهو حل غير مجد اقتصاديا، أو أن تنشر المناعة الصحية الوظيفية بمتطلب وظيفي بسيط كدورة الإنعاش القلبي الرئوي والإسعافات الأولية. أما في حال تخاذلت هذه القطاعات عن تلبية مطلب السلامة لموظفيها فقوانين حقوق العمل والعمال وحقوق الإنسان حول العالم تحتم عليها التعويض ببدل خطر وظيفي.
الدراسات أثبتت أن القيام بالإنعاش القلبي الرئوي بالشكل الصحيح من قبل الأشخاص العاديين يضاعف من فرصة البقاء على قيد الحياة مرتين إلى ثلاث مرات، بإذن الله، لحالات السكتة القلبية المفاجئة والتي قد تنتج من أسباب عديدة كالذبحات الصدرية والغرق والتحسس الشديد والاختناق والصدمات الكهربائية. هذه الدراسات قام بها العالم الأول الذي أدرج دورة الإنعاش القلبي الرئوي إلزاميا في مناهج التعليم العام منذ سنوات عديدة، بينما ما زالت لدينا عبارة عن بند في لائحة تقييم لبرنامج صحة مدرسية تعطى عليه الجوائز متى ما تمرسها بضعة معلمين وطلبة اختياريا.
إدراج شرط إكمال دورة الإنعاش القلبي الرئوي كمتطلب للتوظيف والعمل لا بد أن يقترن بمجانيتها ودعم المؤسسات التي تقدمها حتى لا تصبح مرتعا للمتاجرة، كما هو حاصل حاليا، فأسعارالدورة ذات اليوم الواحد تتراوح بين الثلاثمئة والخمسمئة ريال سعودي، غالبا ما تقدمها قطاعات حكومية! بالمقابل نجد أن هيئة الهلال الأحمر السعودي تقدم الدورات مجانا في مناطق المملكة المختلفة للمواطنين، وهذا مما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند اعتماد الجهة المسؤولة عن تقديم هذه الدورات للمتقدمين للوظائف.
يقول أوسكار وايلد إنه عندما يتعلق الأمر بالتنظيمات فإن الإحصائيين يعلمون أن لكل منا ثمنا. نحن بحاجة لإحصائيين يقومون بمهمة حساب قيم حيواتنا إحصائيا والوصول إلى أثماننا حتى يتسنى لصناع القرار إدراج أبسط أساسيات السلامة لثمانية ملايين موظف وعامل.