كان عندنا في قديم الزمان وسالف العصر والأوان منتخب "أخضر" ومعشوشب، ترتوي أطرافه وسيقانه بالماء.. والنماء.. وتفور أوردته بالدم والأكسجين.. وتمتلئ نفوس أفراده بالهمة والإخلاص مدفوعة بالإصرار والعزيمة، كان ذلك في قديم الزمان وسالف العصر والأوان.. أما الآن فقد صار الأخضر أصفر لكثرة ما طاله من الذبول والشحوب وقد خارت عضلاته وتجلطت أوردته.. كان المنتخب يكنى من باب الفخر والارتقاء بـ"صقور آسيا" وصار - للأسف - يكنى عند بعض المتحمسين بألقاب تحمل الكثير من الازدراء.

الكلام أعلاه ليس من باب التجني ولكنه من واقع الحال الذي آل إليه المنتخب السعودي الأول بعدما كان ملء السمع والبصر.. وبعدما كانت فرائص الفرق الآسيوية ترتعد عند مقابلته وتسعى ما أمكنها إلى الخروج بأقل الخسائر، كان منتخبنا مضرب المثل وموئل عشاق الكرة في الخليج وفي آسيا وفي العالم العربي، نجومنا الأفضل.. وجماهيرنا الأكثر.. وبطولاتنا الأكبر، لكن دوام الحال من المحال، وما كنت ولا غيري من السعوديين ننتظر أن نكون الأفضل و"الأبطل" دائماً، لكننا لم نكن نتوقع هذا الانحدار السريع، كان علينا أن نبقى حذو القمة بالقمة لا أن نسقط في أسفل الوادي وفي قعر المعالي، وإن كان هذا الوضوح قد انجلى بعد خروجنا المرير في التصفيات المبدئية الأولية لكأس العالم إلا أن بوادر الانحدار كانت واضحة قبل هذه التصفيات.. لمسناها في بطولة منتخبات آسيا.. وشممناها في بطولة دورة الخليج، وتأكدت عندنا مع خسائر أنديتنا لبطولة آسيا التي كانت "حقتنا" يحققها ناد سعودي وتنتقل منه إلى ناد سعودي آخر ثم صارت من بعد تهاجر عن نادي سعودي وتنصرف عن الآخر! كانت النذر ساطعة.. وتباشير الخيبات ظاهرة، لكننا لم نرتدع أو نتوخَ، كنا ننام على وسادة الأمجاد فلا نعي ولا ندرك خطواتنا المتعثرة.. بسبب أننا إعلامياً نتعامى عن الأخطاء ونسرف في الثناء الذي يغيب الحقيقة ويذهل عن الحل، فكنا نسهم في التخدير كما لو أننا ونحن نركن على أمجادنا نتعاطى شعار "اليوم خمر وغداً أمر"، علينا من الآن الاعتراف بأننا لم نعد أبطال آسيا ولا حتى أبطال الخليج ولا حتى أبطال الجزيرة العربية (سورية والأردن ولبنان واليمن) علينا لبداية العلاج أن نقدر واقعنا وحجمنا الحالي، فإذا فعلنا ذلك وخرجنا من لوثة الأمجاد وسكرة الأبطال أمكننا بالتالي تفصيل الخطة التي تلابسنا، فنحن الآن نلبس ثوباً لا يلابسنا ولا نعلم أن عورتنا وعوارنا الكروي بات مكشوفاً وبتنا نهباً للشامتين والمتحذلقين.

على أي حال رب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، لكن السؤال: هل فعلاً سيكون تضررنا من الخروج نافعاً؟ وهل حزننا المرير على الخروج مرده الخير؟!

أم أننا كما هو (ظاهر) آخذون في التقهقر؟ هل يعني ما مضى أننا لم نتعلم أو أننا لا نريد أن نتعلم؟!

سأكمل يوم الأربعاء