على خلفية استقالة الأمير نواف بن فيصل بن فهد من رئاسة الاتحاد السعودي لكرة القدم بدأت أسترجع مخزون الذاكرة وأبحث عن مسؤول حكومي استقال من عمله لأنه أراد أن يمنح الآخرين فرصة. لم أجد إلا النزر اليسير الذي لا يستحق الاستناد إليه. فعلها الأمير نواف بسبب خمس دقائق طائشة من عمر اللقاء الكروي الذي جمع منتخبنا الوطني مع منتخب أستراليا في أستراليا قبل أسبوع. خمس دقائق كان بإمكان الظروف أن تجيرها لصالح منتخبنا. الدقيقة الأولى إهدار الشمراني لفرصة جميلة جداً لو وفقه الله بها لكانت أجمل الأهداف ولأصبحت النتيجة 3-1 لصالح المملكة. تبع ذلك أربع دقائق مذهلة سجلت فيها أستراليا ثلاثة أهداف متتالية قلبت النتيجة إلى 4-2 لصالح أصحاب الأرض. ذهب كل التخطيط والمعسكرات والسفر والمباريات التجريبية هباء بسبب ارتباك الدفاع السعودي في ثلاث دقائق من أصل 90 دقيقة. نعم صحيح هذه هي الكرة، لكن الأهم هذه المواقف المسؤولة التي أقدم عليها رئيس الاتحاد السعودي وزملاؤه.. وهي إتاحة الفرصة للغير لإدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم.

في المقابل وخلال شهر فبراير المنصرم ظهرت في وسائل الإعلام قصص مزعجة جداً عن مراكز التأهيل الاجتماعي ودور الرعاية الاجتماعية في المملكة. ما ظهر من خلال الكثير من التقارير والبرامج التي ركزت على هذه المواضيع برأيي كان أكثر إزعاجاً من خسارة المنتخب السعودي في مباراة كرة قدم. ظهرت تقارير سوء معاملة لمعاق، وتقارير تتحدث عن دور الرعاية السيئة في أداء دورها الاجتماعي. كثير من المتصلين هاتفياً تحدثوا على الهواء في عدة برامج إذاعية وتلفزيونية وفصلوا هذه الممارسات المشينة تفصيلاً دقيقاً وبكل صدق وعفوية. بصراحة كنت أتوقع بعد كل هذا أن يحدث في وزارة الشؤون الاجتماعية انتفاضة عارمة لإصلاح هذا الخلل. كنت أتوقع أن يتقدم أحد المسؤولين المباشرين باستقالته دفاعاً عن ضميره ومروءته ومبادئه، بل وعن مكتسبات وطنه، لكن أياً من هذا لم يحدث. ها هي الوزارة مستمرة في معالجتها السلحفاتية للمشاكل التي أشارت إليها كل وسائل الإعلام قبل أسبوعين. لا نعلم حقيقة هل سبب تردي هذه الخدمات هو شح المخصصات المالية، أم سوء التخطيط؟ ولو كان الأول هو السبب فالاستقالة هنا تعتبر عملاً وطنياً رائعاً، لأنها ستكشف عمق المشكلة، مما قد يؤدي إلى حلها بسرعة إما من خلال تخصيص الأموال المطلوبة أو البحث عن الخطط اللائقة. بالمقابل فإن بقاء المسؤول بلا تذمر ولا غضب بالرغم من وجود التقصير يعتبر مقبرة لأي فكرة خلاقة قد يأتي بها شخص آخر. هذا هو سبب اختياري لعنوان هذا الموضوع.

في القطاع الخاص لا توجد هذه المعاناة، لأن المسألة تعتمد في نهاية المطاف على البيانات الختامية للمنشأة. إن خلت هذه البيانات من الأرباح فالمسؤول حتماً سيغادر وإن أتت حسب التوقعات فسيبقى ويكافأ بالجزاء المناسب المشجع على الاستمرار. هنا سأطرح تساؤلاً طالما طرحته في أكثر من مقال: لماذا لا نطبق معايير المحاسبة على المسؤولين في الدولة؟ نحن في عصر بناء الدولة الحديثة الطموحة القادرة بحول الله على الصمود لعدة أجيال. والأمر هنا يتطلب تطبيق معايير دقيقة جداً في التنفيذ، وأكثر ما نحتاجه في هذه الفترة هو المراقبة. لا أدري حقيقة لماذا تغيب عنا مثل هذه البديهيات البسيطة في علوم الإدارة. هل يوجد لدينا شح في الكفاءات الوطنية؟ بكل تأكيد لا، فالوطن يزخر بهؤلاء، وإنجازات الكثيرين منهم بارزة ومشعة في مراكزهم التي يشغلونها حالياً. لدينا الكثير من الخبراء السعوديين ممن تتم دعوتهم للمنتديات العالمية للتحدث عن خبراتهم، ونقرأ محاضرات هؤلاء، لكنها تمر وكأن الموضوع لا يعني لنا شيئاً، وكأن هؤلاء غرباء يعيشون في كوكب آخر. الواجب حقيقة أن نستعين بالكفاءات المشهود لها بالخبرة في نقل التنمية السعودية المعاصرة وتحويلها إلى تنمية منتجة قادرة على الاستمرار. أقول ذلك حتى لو تمت الاستعانة بالأجنبي لإدارتها فما بالنا ولدينا هذه القدرات.

تحقيق أهداف التنمية الشاملة إذاً يتطلب تطبيق مبدأ المحاسبة والثواب والعقاب وبكل صرامة وتصميم. ما لم نباشر بتطبيق هذا المبدأ فلن نصل إلى أهدافنا التي نظن أننا خططنا لها. صحيح أننا نشاهد المشاريع الضخمة هنا وهناك، وصحيح أنه لدينا الكثير مما هو معتمد ويتم تنفيذه، لكن غياب المساءلة عند التقصير قد يسبب الكثير من التأخير، بل وحتى الفشل في الاستفادة من هذه المرافق الضخمة. غياب المساءلة سيبقي على المسؤول المقصر وقد تفشل الفكرة برمتها بسبب هذا الشخص. هذه هي الكارثة مع الأسف رغم وضوحها وبساطة إيجاد الحلول لها.

شكراً للأمير نواف على مبادرته الرائعة، وشكراً على الجهود التي بذلها مع زملائه في الاتحاد. أتمنى أن ننتقل في هذا العام 2012 إلى ما يجوز لنا تسميته بـ"عام المساءلة". أتمنى أن يتحول العام إلى عام من المراقبة الدقيقة لكشف أي قصور في أي جهاز حكومي حيوي يعنى بخدمات المواطنين وتنمية الإنسان. صدقوني، تركيزنا ولو لعام واحد على الجودة سينقلنا من عصر إلى عصر. إجراء كهذا سيخلق جيلا جديدا من التنفيذيين المسؤولين في سباق نادر على خدمة وطنهم. إجراء كهذا سيدفعنا إلى تطبيق مبدأ الثواب وتحفيز المتميزين والاحتفال بهم في مناسبات معتبرة. إنها مناسبات غائبة عنا مع الأسف؛ تلك التي نحتفل من خلالها بمنجزات أبناء الوطن ونقلدهم الأوسمة اللائقة بعطائهم وتفانيهم وتضحياتهم، أما إن بقينا ننتظر استقالة مسؤول بسبب عدم قدرته لأي سبب على الوفاء بمهمته فإن هذا ربما لن يتكرر.