يشبه الصديق عواض العصيمي معرض الرياض الدولي للكتاب، هذا الذي ستقرع أجراسه بعد قليل بـ(هطول الأمطار، وفرة في عز الموسم ولكن قلما يترك أثراً بعد انقشاعه).

في السنوات الأخيرة انهمك جل المتابعات الصحفية للمعرض في جزئيات، وإثارة تخاطب الوجدان لا العقل، وتضخيم أحداث هي على هامش المعرض، مع شبه انصراف عن الأهم، وأخذ المتلقي نحو عمق الحدث، إذ لم نر – غالبا – مراجعات للإصدارات وتقويمها ونقدها، وإثارة عميقة لأسئلة وقضايا الفن والكتابة، بما يضيف للمتلقي إيجابيا، ويفتح آفاقه نحو الجمال المعرفة، وإيقاد حوار حقيقي إذ أرجو أن يتذكر الجميع أن بلادنا أطلقت دعوة عالمية للحوار بين الحضارات، وحتى نكتسب صدقية، علينا أن نخلق هذا الحوار بيننا، لنكون أنموذجا تطبيقيا يغنينا عن البروبجندا، ولكيلا نبدو متناقضين منفصمين.. لا سمح الله. في ظني لو وجد كثير من المتلقين فرصة للكشف لربما صاحوا في وجوه المراسلين الصحفيين بصوت واحد: لقد مللنا هذا الانهماك في شأن الاحتراب والجدل العقيم بين تيارات وهمية، وندعوكم إلى التركيز على فكرة المعرض الرئيسة، تتوافق مع المكانة التي بات يتقدم نحوها معرض الرياض، صديق معني بتفحص الواقع يرى أن انصراف بعض الصحفيين والكتاب إلى ما يسمى قضايا الحسبة أمر حيوي لهم، لأنه هو ما يضمن بقاءهم في مستطيل الضوء، لأنهم خارج هذا الإطار يكونون خارج المعنى وغير لافتين أبدا، فيعمدون – من اللاوعي – إلى التسلح بأفكار العزف على وتر النظم الأخلاقية المعيارية المتنافرة في المجتمع، ويعثرون في هذا الميدان على حكايات طريفة في الفعاليات الثقافية.

سيكتشف هؤلاء الذين يصرفوننا عن الاستمتاع ببهجة المعرض أن أهل المعرفة الصادقين لا يجيدون السباحة في مياه اللجاجة، قدر ما يجيدون ملء أفئدتهم برغبات في أن تترك مثل هذه المعارض والفعاليات الثقافية المختلفة أثرا في أنماط تفكير الناس باتجاه ما هو أجمل وإيجابي لمجتمعات تتلمس طريقها وهي متجهة في طريقها صوب العالم الأول.. تتقافز في أرواحهم الخصبة تطلعات لأن يصبح الفعل الثقافي المصحوب بحوارات ودية / حميمة من تقاليد المجتمع التي تجمع الشيخ والشاب والطفل. العائلة كلها، معنية بالمعرفة، في زمن لا يؤمن إلا بالمعرفة، ولا يصنع تقدم شعوبه، ومساهمتها في الكفاح الكوني نحو عيش أفضل لكل شعوب الدنيا، التي سئمت الاحتراب بكل أشكاله، إلا عتاد معرفي.

عندما فاض توحش الإنسان ظلت المعرفة تدير ظهرها أبدا له. محطات في (التاريخ الكوني للخزي) تقول لنا ذلك، ولكننا رغم ذلك، ننسى، ونظل مصرين بشكل غريب/ مريب على أن نرجع دائما للمربع الأول، تقريبا في ذات البقعة التي توحشنا فيها بشكل شبه جماعي، فيكون منطقيا أن نردد عبارة الروائي العصيمي.