هناك اتفاق شبه تام على أن معظم مشاكل الشرق الأوسط، إن لم يكن كلها، نابعة أساساً من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية الذي يمنع الوصول إلى حل عادل وشامل لهذا الصراع التاريخي. وقد كتب مدير مركز بروكينجز في الدوحة، سلمان شيخ، تقريراً نشرته مؤسسة "بروكينجز" الأميركية للأبحاث يقول فيه إن مشاكل شعوب الشرق الأوسط، خاصة الإسرائيليين والفلسطينيين، تعود في النهاية دائماً إلى الصراع العربي- الإسرائيلي. هذا هو بالضبط ما حدث يوم الخميس 19 مايو الماضي عندما ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً سياسياً رسمياً في وزارة الخارجية قدَّم فيه مبادئ جديدة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تستند إلى حدود عام 1967، ولكن في الأسبوع الماضي، عندما قُتل ما لا يقل عن 10 متظاهرين عُزل بالرصاص الإسرائيلي في يوم "النكبة" وبعد ذلك مقتل عدد أكبر في ذكرى "النكسة"، عاد الصراع العربي- الإسرائيلي مرة أخرى إلى محوره الرئيسي.
وإذا أصبح سيناريو هذه القصة مألوفاً بشكل مؤلم الآن، فإن السياق والتفاصيل الخاصة بهذا الأسبوع قد تشير إلى نوع مختلف من التصعيد، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لاستئناف محادثات السلام. وبطبيعة الحال، فقد كان للثورات العربية تأثيرها على سير الأحداث، فالفلسطينيون يرون أن هذه الثورات العربية توفِّر لهم فرصة الحصول على المزيد من الحريات والعدالة والمساواة ولإقامة دولة خاصة بهم. وبالنسبة للإسرائيليين، فإن الأحد 15 مايو كان هو اليوم الذي طوَّقت فيه الصحوة العربية حدودهم المؤقتة الساكنة لتذكرهم مرة أخرى بمدى ضعفهم وإلى أي مدى أصبحوا معزولين.
فقد أنذرت الاحتجاجات المنظمة على خطوط الهدنة الإسرائيلية لعام 1949 مع سورية ولبنان، بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ومصر والأردن، العديد من الإسرائيليين وأثارت مخاوفهم من أن إسرائيل تفتقر إلى الوسائل العلمية لمواجهة التظاهرات الحاشدة في المستقبل. ففي الواقع لم يمنع المتظاهرين من محاصرة المنطقة سوى الوجود الأمني الكثيف بالقرب من الحدود المصرية والأردنية مع إسرائيل. يُدرك الإسرائيليون الآثار الملموسة للمنطقة المتغيِّرة سريعاً التي تموت فيها الحقائق القديمة وتتجدد المخاوف من عودة الصراع. وفي الوقت نفسه، يستخدم اللاجئون الفلسطينيون أدوات الثورات اليوم، شبكة الإنترنت بشكل عام والموقع الاجتماعي "فيس بوك" بشكل خاص، لتنظيم التظاهرات وللتأكيد على حقهم في العودة إلى ديارهم التي تُعرف الآن بإسرائيل. فهناك ما يُقدر بنحو 600 ألف فلسطيني يستخدمون الـ "فيس بوك" في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ومن المعتقد أن ثلثهم متأثرون سياسياً بالإعلام الاجتماعي. عندما وقعت كل من فتح وحماس اتفاق مصالحة في الفترة الأخيرة في القاهرة، كان ذلك استجابة منهم لحملة تدعو إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية والتي نظمها ناشطو الإنترنت والتي تمكنت من حشد الآلاف في كلِ من الضفة الغربية وغزة. وقد شجعت هذه التطورات النشطاء الفلسطينيين، وقاموا بتنظيم المزيد من التظاهرات والمسيرات الشعبية للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي وقادتهم حيث فرض الفلسطينيون موعداً نهائياً لمناهج السيادة في سبتمبر.
على الرغم من ذلك فإن ما أدى إلى جعل يوم النكبة الذي حدث هذا العام أكثر وضوحاً كان الأحداث التي دارت على الحدود السورية- الإسرائيلية الفعلية. فقد وضعت الاحتجاجات التي جرت على الحدود نهاية لـ38 عاماً من الهدوء شبه التام الذي كان يسود على طول الحدود التي يبلغ طولها حوالي 80 كيلومتراً تقريباً، حيث قام العشرات من المتظاهرين الفلسطينيين بعرقلة طريقهم من خلال السياج الأمني الموجود في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ويمثل هذا الحدث فشل المخابرات الإسرائيلية والجيش، ويُظهر عجز قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك المكونة من 1250 عضواً والتي تأسست لمراقبة اتفاقية عام 1974 لفصل القوات. كما أظهر أن النظام السوري على استعداد لتصدير عدم الاستقرار إذا لزم الأمر، وبخاصة إلى إسرائيل. وبالنظر إلى درجة القيود المفروضة على الحركة في المنطقة، فمن غير المقنع أن يتمكن المتظاهرون من الوصول إلى السياج الأمني دون موافقة ومشاركة السُلطات السورية والقوات الأمنية.
ومع احتمالية تدهور الأوضاع في سورية خلال الأسابيع المقبلة، فهل كان هذا الخرق لعبة قصد منها النظام السوري إرسال رسالة تؤكِّد أنه لا يمكن لغيره أن يضمن الاستقرار في المنطقة؟ أم هل كان وسيلة لتقويض ادعاءات النظام في سورية كنظام للمقاومة ضد إسرائيل؟ في الواقع، كان من المحتمل أن يكون كليهما. مع ذلك، فقد تأتي الحركة بنتائج عكسية. ومع أحداث مايو، فإن التأكيد على أن الاستقرار لا يتحقق إلا في ظل وجود الرئيس الأسد وأنه من بعده ستعُم الفوضى وقد تحول الأمن رأساً على عقب. هذه هي اللحظة التي يتعيَّن فيها على المجتمع الدولي أن يرسل إشارة واضحة بأنه لن يتسامح في ابتزاز نظام الأسد له، وبخاصة عندما يكون استقرار وأمن المنطقة في خطر.
وقد أثبت خطاب الرئيس أوباما الذي ألقاه مؤخراً أن قادة أميركا وإسرائيل يمكنهم تأجيل الحديث عن هذه القضايا، ولكن ليس لفترة طويلة. فقد أثارت إشارة أوباما لحدود 1967، باعتبارها أساساً لإجراء محادثات مع الفلسطينيين، رداً حاداً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرفض انسحاب إسرائيل إلى مثل هذه الحدود التي "لا يمكن الدفاع عنها". وكما ذكر كاتب صحفي إسرائيلي مؤخراً فإن نتنياهو يهدف إلى تعزيز الدفاعات الإسرائيلية ضد الانتفاضة الثالثة – وليس التنازلات الرئيسية الحالية.
فقد وضع الرئيس أوباما في النهاية أبعاداً بشأن قضيتين (القدس واللاجئين) من القضايا الرئيسية للصراع، وذلك من خلال تقديم أفكار بشأن الترتيبات الأمنية لدولة فلسطينية منزوعة السلاح فضلاً عن الحدود. كما أنه أكَّد على أهمية قيام دولة فلسطينية قريبة وقابلة للاستمرار تقع على حدود كلِ من مصر والأردن، لكنه رفض فكرة أن يقوم الفلسطينيون بإقامة دولة من خلال التقدم بطلب انفرادي إلى الأمم المتحدة في سبتمبر القادم.
المُشكلة أن هذه الأفكار جاءت بعد فوات الأوان بعامين. فالأحزاب لا تتحدث إلى بعضها البعض وقد أظهرت آخر محاولة لهم للقيام بذلك مدى تباعد أفكارهم. وهناك أيضاً شكوك خطيرة حول ما إذا كان الرئيس الأميركي لديه الإرادة والإستراتيجية السياسية لدفع كلِ من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى العودة إلى مفاوضات السلام، خاصة في ضوء حملة لإعادة انتخابه. وفي أحسن الأحوال، فقد ضغط أوباما على زر إعادة التشغيل من أجل بدء المحادثات، فهو لم يشرح بطريقة أخرى واضحة، بدلاً من دعوة مبهمة للولايات المتحدة واللجنة الرباعية بالشرق الأوسط والدول العربية "لمواصلة كل جهد لتجاوز المأزق الحالي". في الوقت نفسه، يشعر القادة الفلسطينيون، ولاسيما الرئيس محمود عباس، بالتحرر بسبب اتفاق الوحدة الوطنية الفلسطيني وسيواصلون جهودهم من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة ما لم تبدأ مفاوضات جدية قريباً – على الرغم من رفض أوباما الصريح لهذه الخطوة.
أحدثت تغييرات هذا العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أثراً عميقاً على آفاق السلام في المنطقة. فالناس في العالم العربي لم يعودوا على استعداد للتعامل على أساس القواعد القديمة، حيث يتحدد صنع السلام من خلال الشواغل الأمنية الإسرائيلية والتقويم الانتخابي في الولايات المتحدة. هناك نفاد متزايد للصبر لضمان العدالة للفلسطينيين وإقامة دولة خاصة بهم. وبالتالي، فإن هناك حاجة إلى تحركات جادة من أجل تأسيس دولتين هذا العام، إسرائيل وفلسطين. الوضع يتطلب جهداً دولياً جديداً على غرار مؤتمر مدريد الذي أقيم عقب حرب الخليج الأولى عام 1991. آنذاك، كانت القيادة الأميركية هي التي قامت بجلب دوافع جديدة لتحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين، وهذه المرة، فإن المعايير الواضحة على الحدود والترتيبات الأمنية، كما عرضها الرئيس أوباما في خطابه الأخير، بالإضافة إلى القضايا الأساسية الأخرى، من الممكن أن توفر الأساس والدوافع للوصول إلى اتفاق حول الوضع النهائي.