مع أن جميع من له علاقة بالوسط الثقافي المحلي، يدرك جيدا حقيقة انشغال المبدع والمثقف بهموم المعيشة، وقفزه هنا وهناك لزيادة الدخل اليومي، إلا أننا ما زلنا نقرأ ونسمع منظرين (بعضهم من القطط السمينة) يتساءلون: لماذا توقف المثقفون والمفكرون عن إنتاج طروحات وإبداعات لافتة؟. بل إن بعضهم يرجع الأمر إلى انشغال المثقفين بأحاديث المنتديات الإلكترونية و"الفيس بوك"، وترك التفكير والتحليل ومن ثم الإنتاج الجيد. وكأنهم لا يدركون أن جل من يتعاطى مع هذه المواقع، يفعل ذلك من مبدأ "تنفيس الهموم" و محاولة الانشغال عن الواقع.

والملاحظ أن كثيرا من المبدعين هجروا الكتابة وكسروا الأقلام، فأصبحوا محاصرين بأسئلة: أين إنتاجك الجديد؟ ولماذا توقفت عن الكتابة والنشر؟. فكانت الإجابة أن هذا القلم لم يأت إلا بالفقر. فحتى وإن حاول صاحبه بيعه، بأي ثمن، فإنه لن يجد أي مشتر "سمين"!. وعوضا عن ذلك، أشغل عقله في التفكير في كيفية الحصول على لقمة عيش مشروعة له ولعائلته، أما تملك مسكن مثلا فإن مجرد التفكير فيه ضرب من الجنون.

وأعتقد جازما أن المثقف والمبدع ليس في حاجة إلى صدقات أو هبات من هنا وهناك، بقدر ما يحتاج إلى مؤسسات مجتمع مدني، مثل رابطة الكتاب أو أي تجمع معترف به، يوفر لحامل عضويته ميزات معينة، مثل تسهيلات وتخفيضات معينة في السفر والتنقل، أوفي الحصول على منزل لائق عن طريق قروض ميسرة، أو على الأقل إعطائه الفرصة في الحصول على عمل يوفر له وقتا وجهدا، يمكن استغلاله في الإنتاج الفكري والإبداعي.

ففكرة تفريغ المثقف والأديب التي تنتهجها الكثير من دول العالم، لم تعد تخطر في ذهن أحد.

ولكن على الأقل، وجود مؤسسة مجتمع مدني توفر ولو بعض الميزات السابقة بات أمرا ملحا، وإلا فإن نزيف هروب الأقلام سيستمر.

ومن لا يصدق فليتابع موجة تحول الكثير من الأدباء السعوديين من الكتابة الإبداعية، إلى الكتابة في مجالات أخرى خدمية أو اجتماعية، بل إن بعضهم بدأ "يلعب" على القضايا الاجتماعية التي تثير الجدل الدائم، حتى يكسب المزيد من الجمهور، ليس حبا في ذلك، بقدر ما هو من مبدأ الحفاظ على لقمة العيش التي تأتيه من الصحيفة نتيجة كتابته للمقال اليومي أو الأسبوعي. وبالطبع فالصحف لن تحرص إلا على الكاتب الذي "يدغدغ المشاعر" ويثير الجلبة اليومية التي تعني زيادة في المبيعات والانتشار.