يبدو أن قضية "التغريدات الإلحادية" الشهيرة كانت فرصة لدى بعض التيارات المتصارعة محليا لمواصلة جولات "الملاكمة" التي تتصاعد يوميا بشكل مريب ومثير للتساؤل! ومع أنه قيل وما زال يقال في هذه القضية آلاف الأطنان من الكلام والجدل الذي هو في حقيقته حزمة واسعة من الانتصار للذات وللتيار أكثر من أي شيء آخر. إلا أنه يبدو لي شخصيا أن للقضية وجها آخر. هو أن ظهور مثل هؤلاء الأشخاص الذين كانوا سببا في هذه الزوابع والغليان بطروحات "وجودية" في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا، على الرغم من أنهم صغار السن يبحثون عن الشهرة والإثارة المصطنعة فقط، بحكم المراهقة العقلية، يؤكد أنهم إحدى ثمرات التضخيم الإعلامي والشعبي لبعض القضايا الدينية البسيطة المختلف عليها بين العلماء منذ العصور الإسلامية الأولى حتى بين أصحاب المذهب الواحد. حيث كان وما زال الجدل الديني الفقهي يحقق طموحات بعض هواة الأضواء والتسلق على أكتاف عامة الناس، وذلك بأسهل طريقين، الأول هو استثارتهم ببعض جمل لا تسمن ولا تغني من جوع أدبي ولا فكري، بل هي مجرد تغطية عجز كتابي ودليل على هشاشة فكرية. أما الثاني فهو ركوب موجة التشدد والمغالاة في انتقاء الآراء الشرعية التي قد تحقق لصاحبها ضوءا إعلاميا وتثير حوله كثيرا من الجدل بين المؤيدين والخصوم، وفي النهاية يصبح نجما جماهيريا حتى وإن كان لا يملك من العلم والمعرفة إلا قشورا يغطي بها ضعفه وهزاله العلمي.
فحالة الإثارة المفتعلة التي تشهدها نقاشات وسطنا الثقافي والاجتماعي قد تغري بعض الباحثين عن الأضواء وخصوصا من صغار السن والمراهقين سنا وفكرا للبحث عن أي فكرة يرونها "مجنونة" لكي يلفتوا لهم الانتباه دون وعي بأنها قد تكون كارثة عليهم.
هناك أمر آخر أعتقد أنه أحد مسببات ظهور هذه الآراء الإلحادية وهو تغييب العقل ومبدأ المنع والحجر على حرية التساؤل الذي يمارسه بعض من يعتقدون أنهم أوصياء على المجتمع. فلو تربت تلك العقول "الشاطحة" على البحث عن الحقيقة دون وصاية وتدربت على إعمال العقل كما أمرها الخالق جل شأنه، لما احتاجت إلى البحث عما قاله فلاسفة في الشرق أو الغرب وتقليده، بل لاكتشفت بعقولها هي التي تربت في بيئة إسلامية، أن علماء في الطبيعة والفلك والطب كانوا لا يعترفون بأي إله، ولكن عندما أعملوا عقولهم بتجرد من أي أهواء.. قالوا بصوت واحد "يا الله ما أعظمك".