إنه صيف 2011. خيارات السياح السعوديين في السفر لم تعد كما كانت في العام المنصرم، فالأوضاع السياسية في عدد من الدول العربية أربكتها وسحبت دولا من قائمة الوجهات المحببة إليهم، وهم يفضلونها لقضاء إجازتهم والهرب من لظى شمس يوليو وأغسطس. فمصر وتونس وسورية، لن تكون هذا العام محطات سفر لكثيرين تعودوا أن تكون شهور صيفهم فيها، أما بقية الدول العربية ففكرة الذهاب إليها الآن مغامرة في ظل أوضاع مضطربة، فلا أحد يضمن مستقبل الأيام. هذه التغيرات أفرزت خيارين أمام السياح السعوديين: إما أن يبحثوا عن دول أخرى كوجهات سفر بديلة، أو أن يركنوا إلى السياحة الداخلية وهي تجربة لم يتعودا عليها.
ماذا سيحدث؟
لطالما ازدحمت صالات السفر الدولية في المطارات السعودية بآلاف من المواطنين مع ختام الموسم الدراسي، في جيوبهم العليا جوازات السفر، وعائلاتهم برفقتهم، يحملون ملايين الريالات لتضمن لهم رفاهية السياحة في الخارج، إذ قدرت أوساط سياحية عدد السياح السعوديين الذين قضوا إجازتهم خارج المملكة لصيف 2010 بأكثر من أربعة ملايين و600 ألف سائح بزيادة 8% عن 2009، في حين قدر حجم ما أنفقوه بـ 60 مليار ريال. وبلغ عدد الرحلات السياحية المغادرة لخارج المملكة للفترة من يوليو حتى نهاية سبتمبر الماضي 1.61 مليون رحلة بمختلف الوسائل وعبر جميع المنافذ، مقابل 1.59 مليون رحلة متحققة لنفس الفترة من العام قبل الماضي، كما بلغت وجهات السفر التي قصدها السعوديون الصيف الماضي 75 وجهة سفر دولية، وبلغ متوسط الإقامة خارج الوطن 15 ليلة للفرد الواحد والعائلة.
في هذا العام تغير النمط المعتاد لتوجهات السياح السعوديين، وتحولت التوجهات بحسب ما أكده اختصاصيون في السفر والسياحة إلى تركيا وأوروبا، فيما تنامى الإقبال بشكل غير مسبوق إلى الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي علله الاختصاصيون بتسهيل استخراج التأشيرات من قبل سفارة الولايات المتحدة في السعودية. ومبكرا ظهر تراجع في الطلب على الدول المضطربة سياسيا، إذ أكد مسؤول المبيعات في الخطوط التونسية في السعودية، عاطف عرجون أن هناك تراجعا كبيرا في توجه السعوديين للسياحة إلى تونس بنسبة50% وكذلك للسياح من جميع الجنسيات، موضحا أن ذهاب السعوديين لتونس إما للتسوق أو العلاج، لافتا إلى وجود توجه قوي للاستثمار في تونس من قبل رجال الأعمال السعوديين.
خيارات أخرى
مدير وكالة العمودي للسياحة والسفر، خالد العمودي، يقول إن الأوضاع غير المستقرة في العالم العربي غيرت كثيرا توجهات السياح السعوديين، مشيرا إلى أن الدول الأكثر جذبا للسياح السعوديين هذا العام هي تركيا وماليزيا ودبي، بالنسبة للشريحة المتوسطة من السعوديين وهم غالبية السياح، وشكلت هذه التوجهات ضغوطا كبيرة على الحجوزات السياحية للخارج، بحسب حديثه. وأضاف: أما الطبقة الثرية فالتوجهات غالبا إلى أوروبا، لافتا إلى أن الإقبال هذا العام تنامى بشكل مفاجئ وكبير على الولايات المتحدة الأميركية، وربما يعود ذلك إلى استقرار الأوضاع هناك، وإلى تسهيل السفارة الأميركية لاستخراج التأشيرات، بعكس ما كان في الأعوام الماضية، بالنسبة للدول العربية، فالطلب تحول من مصر وتونس إلى لبنان ودبي، أما بالنسبة للدول الأوروبية فإن الطلب تزايد على بريطانيا وفرنسا والنمسا.
وأوضح العمودي أن السائح السعودي بطبيعته لا يتقبل القيود في الرحلات، ويرفض البرامج السياحية المقيدة بفقرات سياحية يومية، بينما الرحلات السياحية المنظمة لدولة معينة، يتلقاها السائح بتكلفة أقل من القيمة المتاحة في الحجز العادي، وتتضمن ترتيبات كاملة للرحلة منذ الوصول إلى المطار إلى فقرات متنوعة في البرنامج السياحي اليومي للرحلة. وأشار إلى أن هناك نمطا آخر من السياحة للسياح السعوديين وهي السياحة التعليمية، حيث يتوجه الكثير من الأسر حاليا إلى رحلة سياحية تعليمية عائلية تستهدف السياحة والتعليم لجميع أفراد الأسرة، أو التعليم في معاهد متخصصة لأفراد معينين في الأسرة، بينما يفضل الوالدان السفر للسياحة مع أبنائهما وفي نفس الدولة، وأكثر الدول التي تشهد ضغطا كبيرا لهذا النوع من السياحة هي بريطانيا، وحاليا أيضا شهد هذا العام توجه الكثير من الأسر للسياحة التعليمية نحو الولايات المتحدة الأميركية للسياحة والتعليم.
أما مدير وكالة الفارس للسفر والسياحة، خالد عبود، فأكد أن السياح السعوديين حولوا وجهة سفرهم من الدول العربية إلى الأوروبية، مرجعا ذلك إلى الاضطرابات التي يشهدها العديد من تلك الدول نتيجة الثورات التي حدثت، مؤكدا بلوغ حجوزات الخطوط السعودية الحد الأقصى ذهابا وإيابا حتى منتصف رمضان المقبل، وذلك إلى كل من باريس وألمانيا ولندن، وماليزيا ودبي.
بديل جاهز لأيام معدودة
على الرغم من التوقعات التي تشير إلى انخفاض الطلب على الرحلات الخارجية، إلا أن البديل كان متوفرا أمام كثير من السعوديين، فسارع من كان يعشق سياحة الخارج إلى حجز مقعده مبكرا في إجازة أيام معدودة تنتهي بشهر رمضان. ووصف نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة الطيار للسفر الدكتور ناصر الطيار سياحة هذه السنة بالقصيرة جداً، مقارنة بالإجازات الماضية، مما أسهم في الضغط على خطوط الطيران مقابل عدم وجود مقاعد كافية لأعداد كبيرة من الراغبين في السفر في فترة قصيرة. وقال إن الأعداد الكبيرة التي تتجاوز المليون سائح كانوا يتجهون عادة إلى مصر، لكن العدد هذه السنة أصبح أقل بكثير، وحتى المتجهون إلى أوروبا يواجهون مشكلة التأشيرات التي تحتاج ما لا يقل عن 14 يوماً، وهذا التأخير يتسبب في استهلاك نصف الإجازة في تخليص التأشيرات. وبيّن الطيار أن التكلفة في بعض دول الشرق الآسيوية باتت مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية، لذلك بدأ السائح مؤخرا يبحث عن وجهات جديدة تكون أقل تكلفة.
من جهته كشف سفير ماليزيا لدى المملكة البروفسير داتو سيد عمر السقاف أن بلاده كانت في الماضي تستقبل السائح السعودي في الصيف والسائح الأوروبي في الشتاء، إلا أن السائح السعودي بات يأتي إلى ماليزيا في الآونة الأخيرة طوال السنة لعدة أسباب، منها الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى جانب أن السائح السعودي يستطيع أن يؤدي فروضه الدينية، إضافة لبعدها عن مواقع التسونامي والإشعاعات التي صدرت عن الكارثة اليابانية مؤخرا. وأشار السقاف إلى أنه قبل العام الماضي تجاوز عدد السياح السعوديين إلى ماليزيا 70 ألفاً، فيما تجاوز العدد السنة الماضية 100 ألف، في حين يتوقع في هذه السنة أن تكون هناك زيادة في العدد، خصوصاً بعد الأحداث السياسية الأخيرة. وأضاف سفير ماليزيا في المملكة أن بلاده تعتبر ذات ثقافة إسلامية بالرغم من وجود ديانات أخرى، وأن الجميع يتعايشون بسلام طوال السنين، وهم يفهمون المسلم ويحترمون دينه، لذلك نجد أن الماليزي، بغض النظر عن دينه، يتعامل مع السائح السعودي معاملة أخوية طيبة. أما بالنسبة للتكلفة، فأوضح السقاف أن ماليزيا أرخص من دول أوروبا ومن دول الخليج، لأن الخدمة الموجودة فيها عالية الجودة، وأن ما يميز صيف هذه السنة أنه يبدأ قبيل رمضان وبالتالي ربما يقضي البعض جزءا من إجازتهم في شهر رمضان، لذلك نجد أن ماليزيا أخذت في الحسبان أن يصوم بعضهم شهرهم فيها. فيما ذهب المتخصص في مجال السفر والسياحة، سعيد المرضي، إلى وجود طلب ورغبة كبيرة في السياحة الداخلية، ولكن السياحة الخارجية ستظل الأكثر رغبة، على الرغم من أن السياحة الداخلية تتميز بمقومات كبيرة تنافس ما يوجد في بعض الدول العالمية، مثل الأجواء الجميلة في بعض مناطق المملكة، إلى جانب أن السائح الخارجي يعاني كثيرا في الحصول على الطعام الملائم، وهذا الأمر غير موجود في الداخل.