لا وجود "للمادة أو الحقيقة" حتى تبدأ بمراقبتها، وهو ما يحدث "عقدة العالم" كما وصفه آرثر شوبنهاور واصفا العلاقة بيننا وبين العالم. في الحقيقة فإن العالم يظهر أو يولد أو يتكون حالما تبدأ بمراقبته. هل يجب أن نراقبه لنشفى، أو نراقبه لنصبح مفقودين داخله؟
إن الإنسان لا يوجد وحده، هو كائن اجتماعي بقدر ما هو كائن عاقل يمارس الوعي، والوعي ليس إلا ذلك الشيء المحير الأعمق الذي يحمل العالم ويحملنا معه من خلال علاقة ثنائية متبادلة. وهذا ما يخلق العلاقة الثنائية بيننا وبين العالم من حولنا، كيف نتعاطى مع هذه الثنائية؟ إلى أين تأخذنا وما الصورة التي يخلقها وعينا في حياتنا، ومجتمعنا؟ هل توقفنا لنرى ما الذي نفعله؟ ما الإطار الذي نشكله حولنا ونضع الآخرين بداخله، على اعتبار أننا نحن من نضع إطارا للزمان والمكان على لوحة كان يجب أن تكون بلا إطار أصلا، لأننا سنختنق بتأطيرها؟
اسأل نفسك هذا السؤال.. هل أنت جيد بما فيه الكفاية؟.. بصدق، هل أنت مراقب واع للعالم من حولك أم إنك قطعة داخل إطار الصورة؟ إن كنت تمارس التطرف فى الأحكام وترى الأشياء إما سوداء أو بيضاء، وتكره وتحب دون توسط أو اعتدال.. تنتهج التصلب ومواجهة المواقف المختلفة المتنوعة بطريقة تفكير واحدة. طريقتك هي المبالغة فى تفسير المواقف وكذلك المبالغة في تقدير الآخرين سلباً أو إيجاباً، المبالغة في سلب حقهم في الحياة، والحضور، التفكير والاختيار مما يؤدي إلى اضطراب العلاقة بهم، وبالعالم من حولك إذا كان أي من هذا يحدث معك، إذا أنت تحيا ضمن "عقدة العالم" ولم تتعرف بعد على طريق الشفاء من الآخرين.
الكثير حولنا نجدهم من نمط أولئك الذين يقولون: هكذا أنا أو لا أستطيع أن أغير شيئا، لكن الواقع أننا نتحدث عن الشيء الذي يبدو لنا حقيقيا. وغالبا تكون قناعاتنا آراء لأناس آخرين تقبلناها ثم أدخلناها إلى سلسلة آرائنا الخاصة.
إن مركز القوة يتواجد في عقولنا في اللحظة الراهنة، ولا يهم منذ متى صار تفكيرنا سلبيا، جاءنا مرض ما، أو تكدرت علاقتنا مع المحيطين أو ساءت الحالة الاقتصادية أو ظهرت الكراهية للنفس. فالبدء بالتغيير لا يكون متأخرا أبدا حتى هذه اللحظة، فحياتنا وخبراتنا تخلق من قبل الأفكار التي نحتفظ بها والتي تشكل وجود حياتنا بالكامل وتحيلها إلى نقطة ما، أو اتجاه ما، ربما يأتي يوم تصحو لتجد أنه ليس الطريق الذي أرادت روحك أن تسلكه.. فقط وجدت كلك هناك.
حاولوا الآن التقاط الفكرة المسيطرة على تفكيركم. بماذا تفكر؟ إذا كانت حياتك كلها تشتمل على القلق، الغضب، الغيرة، الانتقام، الإقصاء.. إلخ، فبأي شكل هي ستعود إليك بنفس الصورة تكون ما زلت مصابا بعقدة العالم من حولك.