حديث الناس في مكة المكرمة هذه الأيام لا ينقطع حول توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي الشريف، وحديثهم مستمر حول نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.. السؤال المشترك في الحديث الدائر عن التوسعة هو أين التنفيذيون في بلادي من المشرعين؟! أين هم تحديداً مما أبرق به خادم الحرمين الشريفين، وأمر به بخصوص الساحات منذ أواخر عام 1428، حيث أكد ـ حفظه الله ـ "على أن يؤخذ في الاعتبار إعمال قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)"، مؤكداً ـ رعاه الله ـ على "أن يكون التقدير في وقت واحد، ويراعى فيه مواقع تلك العقارات، والحيازات الحالية، وأسعارها الحالية، وليس مواقعها قبيل وأثناء وبعد التقدير، وأسعارها بعد توسعة الساحات، وذلك لضمان أن يكون التقدير عادلاً، وليس مبالغاً فيه، وأن يراعى بحث ما يلزم من إجراءات لتلافي أي زيادة محتملة في أسعار المنطقة بسبب نزع الملكيات".. ولمن يسألني عن دلائل العدل المذكور هنا؛ أقول إن أبرز الدلائل هي عدم إيقاع الناس في المبهمات، وعدم إخراجهم من دورهم دون مبلغ يتمكنون به من إيجاد البديل، وهذا ما لم يغب عن قلب وعقل ولي الأمر، الذي أمر فيما أمر، بما نصه: "دفع نسبة 20% لكافة من يتقرر تعويضه في المنطقة، واعتبار هذه الدفعة ترسيخاً وتثبيتاً لنزع الملكية، وإقراراً بالموافقة على قيمة التقدير، على أن يتم دفع باقي التعويض المستحق بعد الهدم والإزالة، وأن يكون الدفع بعد استكمال كافة الإجراءات النظامية والشرعية"، وبقليل من التبصر في التوجيه الملكي نجد أن ذكر نسبة 20% تعني أن التقديرات ليست مبهمة، وأنها من حق المالك مقدماً، وأن أل 80% الباقية معلومة قبل النزع والإزالة.

الحديث الآخر بين الناس هو حول نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، ووضع اليد المؤقت على العقار ـ في المملكة بعمومها ـ الصادر عام 1424، والذي ألغى النظام الصادر عام 1392، وألغى كذلك الأحكام الواردة في نظام الطرق والمباني الصادر في عام 1360، والأحكام المقررة لاقتطاع الذراع المعماري. الباب الأول من النظام الجديد، والمتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة، جاء في المادة 14 منه ما نصه :"إذا اختلفت مساحة العقار الواردة في وثائق إثبات الملكية عن المساحة الفعلية للعقار حسب وضعه على الطبيعة، فيجري التقدير حسب المساحة الفعلية أو الواردة في وثائق الملكية أيهما اقل، وذلك دون إخلال بحق مالك العقار في إثبات ملكيته للجزء الذي لم يدخل في التقدير".. لفظة (أيهما أقل) سببت عند الناس ما سببته من ألم، وأمل. الألم من عدم الاعتراف بمساحات صكوكهم المضبوطة والمختومة بختم وضبط من سبق، ويسألون ما ذنبنا نحن الذين بعنا واشترينا على المساحات المذكورة في الصكوك؟. أما أملهم الكبير فهو في أن تكون التعويضات مبنية على (أيهما أنفع)، خاصة وأن اللجان المختصة عاكفة هذه الأيام على التواصل مع المكيين الذين لم يتسلموا شيئاً من مقدمات تعويضات أملاكهم المنزوعة، والذين لم يعرفوا شيئاً عن تقديرات التعويض؛ لأخذ مخالصة وإقرار بعدم المطالبة عما فقدوه من سنتيمترات أو أمتار في صكوكهم، وقد علمت بأن أعدادهم غير كثيرة، وخسارتهم غير بسيطة.