العنف أو التعنيف الأسري والذي تسعى جهات كثيرة إلى محاربته والقضاء عليه، ومعرفة دوافعه وأسبابه من أجل التخلص منه، لاسيما إذا كان موجها إلى أكثر أفراد الأسرة عجزا وحاجة إلى الذين يؤخذ بيدهم ويحموا وهم الأطفال، هذا العنف ما هو إلا مرحلة متقدمة جدا من الإهمال واللامبالاة، فيلقى بهؤلاء الأطفال بكل وحشية إلى الشوارع أو في أيدي العمالة غير المسؤولة، ولعل هذا هو أهون ما يلاقي الأطفال، حيث يصل الحال بهم إلى أن تضيق قلوب وصدور أقرب الناس إليهم عن احتمال طفولتهم، ليكونوا أسهل الطرق لتنفيس ضغوط الحياة فيهم، ولا يجد الطفل من يمد له يد العون إلا بعد فوات الأوان في الغالب، إلا أن تتدخل الصدف فيتم اكتشاف هذه الحالة أو تلك. إن ما يجب علينا محاربته والمعاقبة عليه هو إهمال الأطفال ابتداء، واتخاذ أكثر القوانين جدية وصرامة في معاقبة المهمل، وسحب حضانة أطفاله منه.
ما جعلني أتأمل حال المعنفين هنا، هو موقف كان يتكرر أمامي منذ مدة كل يوم أثناء عودتي من عملي، ثلاث بنات صغيرات يتقافزن في عرض الشارع، يعبرن من اليمين إلى اليسار والعكس، ويكررنها مرارا، متعرضات بذلك للدهس أكثر من مرة وسط استياء سائقي المركبات، وتعبيرهم عن ذلك بالصراخ على الصغيرات أو التساؤل عن أمهاتهن، ولم أجد تفسيرا لهذا الأمر، حتى أوقفنا سيارتنا جانبا وجلست فيها أنتظر نهاية هذا الوضع الغريب، فاكتشفت وجود ثلاث خادمات بالجوار يعلقن حقائب الصغيرات على أكتافهن، ويقفن لتبادل الأحاديث والضحك، وبعد أن سألتهن عن هؤلاء الصغيرات اعترفن أنهن أرسلن من قبل الأمهات، خادمة مع كل طفلة، لمرافقة الصغيرات أثناء عبور الشارع من المدرسة إلى الجهة المقابلة، رغم قرب البيت من المدرسة، وذلك لشدة حرص الأمهات. وبررت إحدى الخادمات انفلات الطفلة إلى الشارع بقولها (تولّي) هذه الطفلة شيطانة وحتى أمها تعترف بهذا الشيء، تساءلت كيف نخبر هؤلاء الأمهات بأنهن وضعن صغيراتهن في أيدٍ غير أمينة، فجاءني رد من حولي (بلا لقافة) بمعنى لا تتدخلي فيما لا يعنيك، وهذا هو السائد في ثقافتنا التي تمنح الحق المطلق للأبوين في التعامل مع أطفالهما بالطريقة التي يريدان، حتى لو أوقعا عليهم الضرر. أتمنى بالفعل أن نقوم بعمل استفتاء لمعرفة نسبة الأشخاص الذين يرون أن مثل هذا التدخل بين الأهل وطفل وقع عليه ضرر، هو ضرب من (اللقافة) وذلك لنقيس مدى وعينا واهتمامنا بأطفالنا.