عُقد في رحاب جامعة طيبة مؤتمر التعليم المستمر وتحديات مجتمع المعرفة في الفترة من 13-16 /3 /1433، وتم عرض ما يزيد عن ثمانين بحثا، وورقة عمل خلال جلسات المؤتمر التي غطت محاوره الستة، وشارك في المؤتمر خبراء تربويون، ومتخصصون في مجالات التعليم المستمر من داخل المملكة ومن خارجها، وقد وُفق القائمون على المؤتمر في اختيار موضوعه، ومحاوره، وتوقيته، كما أحسن القائمون على المؤتمر استقطاب عدد كبير من المتخصصين في مجالات التعليم المستمر المختلفة، الذين أثروا هذا المجال بأبحاثهم، وأوراق العمل التي قدموها، وأفكارهم، ونقاشاتهم، وتوصياتهم.
ومن خلال الاطلاع على ما عرض من أبحاث، أو أوراق عمل، أو محاضرات في هذا المؤتمر اتضح أن هناك عدم اتفاق بين أغلب المشاركين، والمشاركات في فعاليات هذا المؤتمر فيما يتعلق بمصطلحات، ومفاهيم التعليم المستمر، حيث ورد العديد من المفاهيم، أو المصطلحات التي تناقش الموضوع نفسه، فبعض المشاركين يناقش هذا المفهوم على أنه التعليم المستمر، وآخرون يرون أنه التعلم المستمر، وهناك من يرى أنه التربية المستمرة، وهناك من ينادي بأنه التعلم مدى الحياة، وقد ينظر إليه من قبل البعض على أنه التربية الدائمة، أو التعليم الإضافي، ولم يكن هناك اتفاق بين المشاركين على مفهوم موحد وشامل للتعليم المستمر، بل كان هناك تداخل، أو لبس بين المفاهيم، وأنماطه المختلفة، وفي هذا الجانب أرى أنه من الضروري أن يتم التوصل إلى مفهوم واحد وشامل للتعليم المستمر، أو التعلم المستمر كما يسميه البعض، وأن يكون ذلك من ضمن توصيات المؤتمر الرئيسة لتفادي التداخل بين المفاهيم، وتعددها بما يجعل الشخص حائرا بينها.
كما أن التعليم المستمر من مجالات التعليم القديمة، والحديثة في الوقت نفسه، فهو مفهوم قديم لأهميته، وضرورته، وهو حديث كنتيجة حتمية لمعطيات العصر الذي نعيشه، وما يشهده من تقدم تقني، وثورة اتصالات، وانفجار معرفي غير مسبوق، كل العوامل السابقة تحتم علينا أن تكون هناك استمرارية للتعليم، والتعلم، ولكنه لم يعط حقه من الاهتمام على مختلف المستويات، بل هناك محاولات متواضعة من بعض الجهات فقط، وهذه المحاولات بحاجة إلى تطوير جذري بدءا من توحيد المفاهيم، والمصطلحات المتعلقة بالتعليم، والتعلم المستمر، ووضع تشريعات، ولوائح، وتنظيمات تحكم هذا الجانب المهم من التعليم، وتحدد أهدافه، وأسسه، ومبادئه، وكيفية الاستفادة من عملياته، ومخرجاته، ولقد تأخرت الجهات المسؤولة عن التعليم المستمر على مستوى الوطن العربي في إنجاز الكثير من الجوانب التي يتطلبها هذا الجانب المهم، والمكمل للتعليم النظامي، أو غير النظامي، وهنا أرى أنه لا بد من التمييز بين التعليم المستمر، والتعلم المستمر؛ فالتعليم المستمر يتطلب أن يكون هناك شخص يشرف على عملية التعليم، ويتابعها؛ لأن هناك أفرادا فاتهم قطار التعليم، ويحتاجون التعليم المستمر لكي يخرجوا من دائرة الأمية، كما أنه في ضوء التقدم الذي نعيشه معرفيا، وتقنيا يفرض علينا أن نستمر في علمية التعلم لمواكبة المستجدات العصرية، وهذا ما أراه يندرج تحت التعلم المستمر، الذي أصبحنا بحاجة إليه بشكل أكبر في وقتنا الحاضر.
وانبثق عن المؤتمر عدد من التوصيات التي هي بمثابة خارطة طريق لتفعيل التعليم، والتعلم المستمر، وتحقيق أهدافه المختلفة بما يحقق التنمية المستدامة للمجتمعات، وهذه التوصيات بحاجة إلى خطوات إجرائية لتنفيذها من قبل مؤسسات المجتمع كافة، ولا يترك الأمر على جهات دون الأخرى؛ فجميع مؤسسات المجتمع الحكومية، والخاصة مسؤولة عن تطبيق هذه التوصيات لكي يتحقق لنا ما نسعى إليه من التعليم، والتعلم المستمر، وهناك جانب مهم جدا تمت مناقشته ضمن محاور المؤتمر وفعالياته وهو الاستفادة من التقدم التقني، والمعرفي من خلال تفعيل التعليم الشبكي، وتطوير الجامعات الإلكترونية بما يحقق أهدافها، وبرامجها وفق ما هو مخطط لها، وأن تتم الاستفادة من جميع المعطيات التقنية، ونتاجاتها المتنوعة في تقديم الدورات التدريبية للعاملين الذين هم على رأس العمل، أو المتقاعدين، أو غيرهم ممن يحتاج هذا النوع من التعليم، والتعلم.
كما أننا بحاجة إلى التأكد من أن جميع أنشطة، وفعاليات هذا النوع من التعليم، والتعلم، وتوظيف التقنية تتم وفق معايير، ومؤشرات، ومواصفات محددة للجودة من قبل هيئات، وجهات ذات خبرة مرجعية في هذا المجال تضمن الجودة فيما يقدم من البرامج، والعمليات، والمخرجات.
وفي الختام أتقدم بالشكر للإخوة الزملاء في جامعة طيبة بشكل عام، وفي كلية التربية بالجامعة على وجه الخصوص على ما قاموا به من جهود موفقة لإنجاح هذا المؤتمر، على أمل أن يكون المؤتمر الثاني للتعليم المستمر - كما ورد ضمن التوصيات – ناجحا كما نجح المؤتمر الأول.