"ويندي" ليست جارتي التي تسكن "قبالي"، ولكني في فترات كثيرة كنت أشاهدها تنظف الشقة المقابلة لشقتي، وبعد أحاديث قصيرة أخبرتني بأن الشقة لصديقها وهي تساعده في تنظيفها وغسل ملابسه، لكنها لا تسكن معه، فالعلاقة ليست جدية تماماً بينهما، وطبعاً من الصعب أن أستوعب أنا ذلك بمخزوني الثقافي والديني، لكنني أجيد الابتسام عند التحدث عن مثل هذه الأمور مع أي امرأة غربية، لكن أحياناً أشعر بأنني يجب أن أظهر حزني وشفقتي عليهن، خصوصاً عندما قالت لي ويندي وأنا أسألها عن مدينة بريطانية ما: "أوه، سكنت فيها خمس سنوات مع صديقي السابق"، فقلت بسرعة: خمس سنوات ولم تتزوجا؟ لترد: حسناً تحدثنا كثيراً عن الزواج لكنه لم يكن مستعداً لذلك، ثم انتقلت إلى هنا وافترقنا.
إن ما يحدث لويندي هو أمر معتاد في العالم الغربي، ونتاج طبيعي لحروب شنتها الحركات النسوية لمنح المرأة حقها في الحب والعلاقات والعمل... إلخ.
وتلك الحركات نشأت بسبب الظلم والتمييز العنصري الذي عاشته المرأة؛ مما أدى إلى مطالبة اختلط فيها المنطقي والعادل بغيره، وبخاصة أن هناك من وجّه تلك المطالبات بطريقة خبيثة لتحقيق رغباتهم، في الوقت الذي يظهر فيه انتصارهم للمرأة، مثل القائمين على صناعة السينما والإعلام و"الموضة"، فهؤلاء يهمهم تحويل المرأة إلى مسوّق لتجارتهم، فأصبحت حتى إعلانات أمواس الحلاقة تظهر فيها امرأة تعرض نفسها.
وأظن أن المرأة الغربية لو راجعت نفسها قليلاً ستجد أنها خسرت الكثير بسبب مطالبتها بما تظنه حقاً لها، وبخاصة أن كثيراً من المطالبات حرمت بعضهن من حقهن في العيش كإناث. يقدّم الرجل الكثير ليحصل على واحدة كزوجة وأم لأطفاله وشريكة له في الاستمتاع بما أباحه الله عز وجل بينهما، فأصبحت يؤخذ منها كل شيء ثم يقال لها: "خذي الباب معك لو سمحتِ"!
في الواقع، إن المرأة التي تعيش حتى في وسط متدين ليست أحسن حالاً، وخصوصاً في أوساط الكاثوليك الذين يحرّمون الطلاق، ذات يوم قابلت عجوزاً مع ابنتها فحكت لي أنها متزوجة منذ ثلاثين سنة، عاشت كزوجة عشر سنوات، ثم افترقا وأخذ يخونها بينما هي متدينة فلم تتخذ صديقاً ولم تتطلق لتتزوج! لأقول أنا بصوت مرتفع: "هذا ليس عدلاً"، فردت ابنتها: "وهل العدل دينك الذي يسمح لزوجك بالزواج من ثلاث نساء؟" فقلت أنا: "لسن ثلاث لو سمحتِ، بل هن أربع في الواقع"... وللحديث بقية عن هذا وعن نورة.