يتعرض الإعلام بمختلف وسائله للنقد الشديد من قبل بعض الجهات الحكومية، لمجرد كشف بعض السلبيات عن أعمال هذه الجهات، ونظراً لنقص المعلومات وعدم الشفافية، تكون صياغة الرد في كثير من الأحيان إما تكذيباً للخبر أو اتهاما الصحفي أو الكاتب بعدم تحري الحقيقة والصدق في نقل الحدث، وربما تستخدم بعض الجهات قرارات لاحقة في التغطية على القضية ككل، مستغلةً في ذلك صعوبة الحصول على المعلومة والسرية التي تغطي أعمالها.

هذا هو أسلوب التعامل مع الإعلام بصفة عامة، ولكن في التعامل مع تقارير الأجهزة الرقابية فإن الوضع يختلف، وذلك لسبب بسيط يتمثل في حصول الرقابة على المعلومة مباشرةً من هذه الجهات، كما أن الأنظمة والتعليمات تتضمن أنه في حال حجب المعلومات عن الرقابة من أي جهة ما فإنها سوف تتعرض للمساءلة، بالإضافة إلى إثارة الشكوك والتساؤلات الرقابية وضعف المصداقية لأعمال وإنجازات هذه الجهات.

وبالرغم من قوة أدلة الإثبات التي تستند عليها الأجهزة الرقابية في إعداد تقاريرها وكذلك الصلاحيات المعطاة لها في الأنظمة والتشريعات، إلا أنها أيضاً لم تسلم من الانتقادات الحادة من قبل بعض الجهات الحكومية، تتمثل في التشكيك في دور هذه الأجهزة وفي تقاريرها، كالقول عل سبيل المثال: "نحن من اكتشفنا هذه الملاحظة قبل الرقابة"، "موظفو الرقابة غير مؤهلين وغير أكفّاء وهمهم الوحيد البحث عن الأخطاء حتى ولو كانت صغيرة"، "ليس من اختصاص الأجهزة الرقابية الرقابة على الأداء"، وليس هذا فحسب بل تلجأ بعض الجهات إلى التفسير الخاطئ للأنظمة والتعليمات، أو إصدار قرارات لاحقة فيما بعد والقول بأن المعلومات التي استند عليها التقرير الرقابي قديمة، وهكذا.

وهنا لا ألوم الجهات الحكومية فحسب، بل ألوم أيضاً الأجهزة الرقابية نفسها، فهي أيضاً لا تخلو من عدم الشفافية، ووجود التكتم والسرية في أعمالها، مما آثار الكثير من الأسئلة حول أنشطتها ومدى تأثيرها في عملية الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، كما أن ردودها على الانتقادات التي وجهت إليها لا تختلف على وجه من الوجوه عن ردود الجهات الحكومية الأخرى في الإعلام، بالرغم من الوجاهة المنطقية والعلمية لبعض هذه الانتقادات.

ومن الأمثلة التي يمكن طرحها في هذا الصدد، ما أثير من انتقادات حول طبيعة دور ديوان المراقبة العامة في رقابة الأداء، وكذلك حول طبيعة علاقة الديوان بالمراجع الخارجي في مراجعة الشركات التي تساهم فيها الدولة بنسبة معينة، وفيما يلي أستعرض بعض هذه الأسئلة، مع الإجابة عليها وذلك بالاستناد إلى المعايير والممارسات المهنية، (بالطبع هذا لا يعني أن تطبيق هذه المعايير لا يواجه أية صعوبات أو تحديات، وإنما الهدف من استعراضها هو التوضيح فقط للقارئ الكريم):

1- كيف يقوم الديوان بمراجعة أداء الجهات الحكومية في حين أن ليس لدى هذه الجهات معايير أداء قابلة للقياس أو حتى للتدقيق؟ أليس معنى هذا أن الديوان يضع الأهداف بنفسه ويقوم بعد ذلك بتقييمها؟

صحيح أن كثيرا من الجهات الحكومية ليس لها معايير أداء قابلة للقياس، وبمعنى أصح لا توجد مؤشرات أداء يمكن قياسها، ولكن هذه المؤشرات هي جزء من مقاييس الأداء، ورغم أهميتها فإنها لا تمثل جميع مقاييس الأداء، فهناك معايير اقتصادية، ومعايير قانونية ومعايير إدارية، فعلى سبيل المثال يمكن قياس أداء جهة حكومية ما في تطبيق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية على مشاريعها، وبالتالي فإن رقابة الأداء تسأل هل يتم تطبيق مواد النظام بكفاءة وفعالية؟ فتكون مقاييس الأداء هي مواد نظام المنافسات ولائحته التنفيذية، وكذلك الأدلة التنظيمية وأدلة السياسات والإجراءات، والتقارير الدورية، وغيرها، مع إجراء الاختبارات اللازمة على أنظمة الرقابة الداخلية على المشاريع والمشتريات، ولا تقف رقابة الأداء عند هذا الحد بل أيضاً تقوم بدراسة المعيار نفسه، وتحدد المشاكل المصاحبة لتطبيقه، لذلك لها دور فعّال جداً في تطوير الأنظمة والتشريعات القانونية.

وفي حال عدم وجود أدلة إجراءات، أو قوانين تشريعية، فإن رقابة الأداء تلجأ إلى المعايير الأخرى، ومن ذلك على سبيل المثال عند تقييم الخدمات الطبية فإن معايير منظمة الصحة العالمية، من أفضل المعايير التي يمكن اللجوء إليها في قياس أداء المستشفيات والمراكز الصحية.

2- كيف يقوم الديوان بمراجعة حسابات الشركات التي تساهم فيها الدولة في ظل قيام المراجع الخارجي بذلك وبكفاءة ومهنية أعلى وبتكلفة أقل؟

في كثير من دول العالم، تقوم الأجهزة العليا للرقابة مثل ديوان المراقبة بمراجعة حسابات الشركات التي تساهم فيها الدولة أو تقدم لها إعانات، وليس معنى ذلك أن تقوم بمراجعة جميع الحسابات، وهناك معايير محددة لتنظيم العلاقة بين المراجع الخارجي وجهاز الرقابة، وازداد هذا الدور أهمية في ظل فشل المراجعة الخارجية في اكتشاف الغش (التلاعب) المحاسبي المفرط والضخم في بعض الشركات، وانهيار شركة "إنرون" هو أكبر مثال على ذلك، وقد قام مكتب المساءلة الأميركي (مرادف لديوان المراقبة في المملكة) بإعداد تقرير مهم عن وضع هذه الشركات، حيث اتضح وجود (689) قائمة مالية على الأقل تم التلاعب فيها لشركات مساهمة عامة، وبلغت خسائر المساهمين حوالي (100) مليار دولار، بالرغم من وجود المراجع الخارجي لهذه الشركات.

وهنا يتضح دور ديوان المراقبة في مراجعة القوائم المالية للشركات المساهمة وخاصةً إذا علمنا أن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين أصدرت الكثير من المعايير المحاسبية ولكنها تواجه تحديات التطبيق.

ومما سبق يتضح أن رقابة الأداء هي جزء مكمل للرقابة المالية، ولا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بإحكام وتطوير أساليب الرقابة المالية نفسها، كما يلاحظ أيضاً عظم مسؤولية ديوان المراقبة، مما يتطلب وجود شراكة وتعاون مستمر ما بين الديوان والإعلام للتعريف والتوعية بالرقابة الحكومية ودورها في المساءلة ومكافحة الفساد.