على مدى الشهر الماضي، اهتزت واشنطن بصمت بسبب الكشف مرتين عن أن فرق الموت الإسرائيلية حية ومعافاة في الشرق الأوسط.

في المرة الأولى، نشرت مجلة "فورين بوليسي" المعروفة مقالا كتبه مارك بيري بعنوان "العلم الزائف"، وهو يتعلق بإسرائيليين يقومون بتدريب منظمة جند الله الإيرانية المعارضة في بلوشستان على أعمال الإرهاب ضد إيران. ومما زاد القلق أن هذه الممارسات الإسرائيلية سوف تنعكس سلبا على الولايات المتحدة. حقيقة إن إسرائيل تقوم بهذه العمليات السرية باسم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وذلك بحسب عدد من العاملين في مجال الاستخبارات الذين تحدثوا إلى مارك بيري، والذين شاهدوا المذكرات التي تحوي تفاصيل العمليات. وبحسب مسؤولين أميركيين فإن إسرائيل لم تعر أي اهتمام لرأي الأميركيين في هذه القضية.

الكشف الثاني جاء في برنامج عرضته قناة (إن بي سي) اسمه (روك سينتر) ويقدمه برايان وليامز، حيث تم الكشف عن أن مسؤولين كبيرين في الاستخبارات الأميركية أكدوا لقناة (إن بي سي) أن إسرائيل تقوم بتدريب المجموعة الإرهابية الإيرانية (مجاهدين خلق) على تنفيذ عمليات اغتيال، بما في ذلك قتل العلماء النوويين مثل مصطفى أحمدي روشان في 11 يناير. لكن منظمة (مجاهدي خلق) نفت تقرير قناة (إن بي سي).

هذه العمليات المفترضة تتبع تقليدا إسرائيليا قديما: عمليات (الإرهاب ضد الإرهاب) في سبعينيات القرن العشرين التي كان يديرها رافي إيتان "القذر" التي اغتالت فلسطينيين في أوروبا؛ محاولة اغتيال زعيم حركة حماس خالد مشعل في 1997 في الأردن؛ اغتيال القيادي الفلسطيني في حركة حماس محمود المبحوح خلال زيارته دبي في فندق فخم في يناير 2010.

بحسب الكولونيل الأميركي المتقاعد أندرو باسيفيتش، وهو أستاذ في التاريخ والعلاقات الدولية حاليا في جامعة بوسطن، فإن "الاغتيالات" أصبحت الإستراتيجية الأخيرة في الحرب الطويلة في أفغانستان. في مقال له بعنوان "رجال العصابات العالميين"، يبين الكولونيل باسيفيتش علاقة الحب بين الولايات المتحدة وعمليات الاغتيال. يقول باسيفيتش إن العبارات التي استخدمت في حرب أفغانستان تغيرت مع مرور الوقت، ففي البداية كان الحديث عن "التحرير"، أيام رامسفيلد، بعد ذلك تغيرت العبارة وأصبحت "التهدئة" ومكافحة التمرد، أيام بترايوس/ماكريستال/بيترايوس، وحاليا يدور الحديث عن "الاغتيال"، بقيادة مايكل فيكرز، نائب وزير الدفاع لشؤون الاستخبارات، آخر الباقين في البنتاجون من عهد الرئيس جورج بوش.

باسيفيتش يذكرنا بأن فيكرز، وهو ضابط في القوات الخاصة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، يحب أن يردد عبارة "أريد فقط أن أقتل أولئك الأشخاص،" ويعني بـ"أولئك الأشخاص" أعضاء تنظيم القاعدة. ويعني بذلك "اقتلوا الأشخاص الذين يريدون قتل الأميركيين ولا يتوقفون حتى يموتوا". هذا يعرف إستراتيجية فيكرز، والتي تستخدم حاليا في الإستراتيجية الأميركية.

في نهاية سبعينيات القرن العشرين، تعرفت على دافيد تينان، وهو صحفي فائز بجوائز مهنية يعمل مع مجلة (تايم) وله كتاب "فريق القتل" الذي كان أول كتاب يكشف فرق (الإرهاب ضد الإرهاب) الإسرائيلية التي كانت تطارد فلسطينيين في أوروبا وتقتل أبرياء يصادف وجودهم في الجوار في أعقاب قيام منظمة (أيلول الأسود) الفلسطينية بقتل الرياضيين الإسرائيليين في الألعاب الأولمبية في ميونيخ.

كان كتاب تينان عملا صحفيا شجاعا، حيث إنه كتبه قبل أن يتم الكشف عن عمليات الموساد في كتب مثل "عن طريق الخداع" لضابط الموساد السابق فيكتور أوستروفسكي. اتصل بي ينان بعد أن كتبت سلسلة من المقالات حول هجمات إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية حول الإرهاب. دافيد تينان شاركني معلوماته الغنية عن العمليات الإسرائيلية السرية التي جمعها خلال كتابته لـ"فرق القتل".

منذ سنتين، في 20 يناير 2010، قتل فريق من الموساد يحملون جوازات سفر غربية وينتحلون شخصيات سياح في دبي القيادي في حماس محمود المبحوح. التقطت صور فريق القتل على الكاميرا، في بهو وممرات الفندق الفخم الذي تمت فيه العملية في دبي. المبحوح تم خنفه حتى الموت في غرفة فندقه. احتجت سلطات دبي على إسرائيل واتهمتها بخرق سيادتها. الحكومة البريطانية احتجت على الانتهاك الصارخ للحكومة الإسرائيلية للعلاقات الودية بين البلدين من خلال سرقة جوازات سفر بريطانية. ولكن لم يتم عمل أي شيء للقبض على القتلة ومحاكمتهم. كانت عملية غبية، وكان فيها ما يكفي من الأخطاء لجمع أدلة جيدة لأقوى محاكمة تقوم بها حكومة في التاريخ، لكن "العالم المتحضر" ترك الإسرائيليين ينجون بفعلتهم.

في 1997، في العاصمة الأردنية عمان، تجمع عدد من "السياح" أيضا، ولكنهم هذه المرة من الموساد وكانوا يحملون جوازات سفر كندية، لاغتيال القيادي في حركة حماس خالد مشعل. كانت عملية بشعة استغرقت عدة أيام. القتلة لحقوا بخالد مشعل وهو في طريقه إلى مكتبه، وعندما اقتربوا منه رشوا غازا ساما في أذنه. حراس خالد مشعل الشخصيين تمكنوا من القبض على اثنين من إرهابيي الموساد، وكانا يحملان جوازات مزورة بأسماء شون كيندال وباري بيدس. الملك الأردني حسين هدد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم تقديم الترياق المناسب للسم للسيد خالد مشعل، كما كانت هناك ضغوط من الولايات المتحدة على إسرائيل لتنفذ رغبة الملك الأردني. العملية التي تم إفشالها كان قد خططها وطالب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو –خلال أول ولاية له كرئيس للوزراء.

إن حملة (إرهاب ضد الإرهاب) الإسرائيلية للاغتيالات التي بدأت في حوالي 1972 لم تحقق السلام أو الأمن بعد مرور حوالي 40 سنة. إعجاب الرئيس أوباما بعمليات الاغتيال السرية يهدد بحدوث كوارث أكبر على الولايات المتحدة، خاصة في العالمين العربي والإسلامي، حيث إن تشابهها مع حملة (إرهاب ضد الإرهاب) سوف يكون واضحا بالتأكيد.