مرت ست سنوات على انهيار سوق الأسهم السعودي، والذي أصبح نقطة تأريخية للأحداث قبلها وبعدها. كيف لا وقد تغيرت بسببه التركيبة الاقتصادية الاجتماعية للبيئة السعودية. في يوم 26 فبراير عام 2006 م شهد عدد من المواطنين تبدد أحلامهم وآمالهم برغد العيش، والتي راهنوا عليها ببيوتهم وسياراتهم، حتى إن البعض حمّل نفسه وأسرته قروضا وديونا عديدة في سبيل تحقيقها. انهار السوق آنذاك بخسارة بلغت 75? من رأس المال، وبدأ مسلسل توجيه أصابع الاتهام نحو الأطراف المسؤولة، وكانت النتيجة تحميل الأفراد الجزء الأكبر من المسؤؤلية لقلة وعيهم بالاستثمار والتحاليل الفنية والأساسية للشركات. هؤلاء المواطنون تعلموا الدرس جيدا وبدؤوا بتطبيق ما استفادوا منه في جميع أسواق الاستثمارات، وعلى رأسها سوق الجمعيات الخيرية.
يبلغ عدد الجمعيات الخيرية المسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية 618 جمعية خيرية، موزعة على المناطق الإدارية الثلاث عشرة، حسب التقرير المختصر بمناطق وأسماء وعناوين الجمعيات الخيرية الصادر من وزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 22/3/1433 هـ. تم منح 89 جمعية منها رخصة جمع تبرعات عن طريق استقبال رسائل الجوال القصيرة من مشتركي الاتصالات، وتم منح تصريح استثنائي لثلاث منها بالجمع عن طريق إرسال رسائل قصيرة للمشتركين، إضافة لذلك يمكن التبرع عن طريق الحسابات البنكية للجمعيات أو عن طريق موقع الخير الشامل الإلكتروني، وهي المبادرة التي تبنتها وزارة الشؤون الاجتماعية لميكنة عملية التبرعات الخاصة.
مجالات الجمعيات الخيرية متنوعة، فمنها الاجتماعي والصحي والبيئي والتنموي والسياسي والثقافي والعلمي.. تم دعمها جميعا في ميزانية الدولة لهذا العام باعتماد لإعانات بلغت أربعمئة وخمسين مليون ريال سعودي. نجاح الجمعيات الخيرية يقاس بإنجازاتها الملموسة والمحسوسة وفق معايير موحدة شفافة تتيح للمتبرع اتخاذ قرارات مستنيرة فيما يخص صدقاته وزكاته، بحيث لا يعتمد على إشاعات السوق وأخباره، ولا ينبهر بإعلانات براقة ورسائل جوال كثيفة قد تطغى على جمعيات أخرى في قرى نائية ولفئات ذات احتياج أكبر قد تكون أولى بالتبرعات من نظيراتها ذوات الفخامة والمركزية. هذه المعايير تتضح أهميتها لدى المتبرع الذي يؤمن بأن من واجبات المواطنة أن يقوم بسد الثغور عن طريق تبرعاته التي قد تعجز عنها خدمية الوزارات لانشغالها بأولوياتها الإستراتيجية، وتتضح أهميتها لدى صناع القرار لترتيب الجمعيات ذات الحاجة للدعم، حسب نسبة المواطنين الذين تخدمهم، وحسب تقييمهم لها، مما يعزز التنافسية بين الجمعيات المختلفة وبالتالي يرفع جودة خدماتها المساندة للوزارات المرتبطة بها. التنافسية في سوق الجمعيات الخيرية تحتم وجود هذه المعايير لقياس مدى التزام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية والتي ستدفع بالمواطنين لاختيار الشركة ذات المشاركات المجتمعية الفعالة والتي غالبا ما تتجاوز رعاية حفل لأيتام أو ذوي احتياجات خاصة.
وجود مؤشر لسوق الجمعيات الخيرية وإصدار قوائم مالية دورية من قبلها ـ عوضا عن حسابات ختامية لا تنشر ولا يطلع عليها المتبرعون ـ ونشرها بالصحف ووسائل الإعلام لتوثق وتوضح نشاطاتها سيزيد من الثقة في هذه الجمعيات الخيرية. الثقة التي بدأت بالتراجع مع كل حادثة تعنيف لمعاق لعدم وجود نظام ترصد، وكل مناشدة لفقير تأخر إدراجه بالضمان الاجتماعي، وكل شكوى لمعنفة تكالبت عليها الظروف وضعف القانون، وكل ليلة أرق تمرُّ على مريض بانتظار كشف مسحي لسرطان.
تراجع الثقة في الجمعيات الخيرية والمشرفين عليها يعود لانفصال إستراتيجياتها عن واقع احتياجات الفئات التي تخدمهم، فهي قصرت نفسها في إطار توزيع الصدقات والزكوات ومن ثم الإعلان عنها بالصحف ووسائل الإعلام، وهذه نظرة قاصرة من قبل القائمين على الجمعيات الخيرية ودورها، فليس كل من يتجه لها هو مستحق لصدقة أو زكاة. الأدوار الأخرى للجمعيات الخيرية غالبا ما تكون غائبة، وإن وجدت فهي إما على ورق أو بصفحة تعريف إلكتروني. أين هذه الجمعيات الخيرية من التوعية بالخدمات والحقوق والتثقيف والحملات لسن القوانين والتشريعات وتبني قضايا الحالات التي تعنى بها؟؟ هذه الأدوار التي لا بد من عكسها بشفافية من خلال تقارير دورية وقوائم مالية ليتم الارتقاء بخدمات الجمعيات الخيرية لمرحلة الشمولية.
المواطن السعودي تعلم درسه جيدا من انهيار لسوق استثماري مالي، وهو حريص على ألا يلام مجددا لانهيار سوق استثماري اجتماعي، ولذلك فهو بحاجة لاتخاذ قرارات مستنيرة مبنية على حقائق ومؤشرات قبل أن تكشف فقاعة سوق الجمعيات الخيرية ضعف ثقافة الاستثمار الاجتماعي الحالية.