لماذا نقف مكتوفي الأيدي ولا نتخذ موقفاً رسمياً ضد المؤسسات والشخصيات الأوروبية والأميركية التي تنتهك حرمات مقدساتنا؟ من البديهي بعد الآن ألا تتحرج الدول العربية والإسلامية من وضع هذه الانتهاكات على رأس أية مباحثات مستقبلية، خاصة بعدما بانت حجة حق حرية التعبير مفضوحة. ففي حين تحتج هذه الدول ضد أي كاتب يتناول بالنقد سياساتها أو يشكك بالهوليكوست، تجدها ترفض أي احتجاج على مروجي حملات التشويه وبث الكراهية ضد كل ما هو مسلم بنفس الحجة، وهي عدم التدخل في حرية التعبير!
واليوم تأتي حادثة حرق المصحف الشريف في قاعدة باجرام في أفغانستان استمرارا لمسلسل الجرأة على المساس بمقدساتنا بسبب تخلي العرب والمسلمين عن حقهم الطبيعي في الاحتجاج الرسمي، فقد سبقت ذلك انتهاكات وتعديات كثيرة، لعل من أحقرها في الجرأة الصارخة، تشجيع إدارة الرئيس بوش على طباعة كتاب محرف ادعوا أنه قرآن جديد تحت مسمى (الفرقان الحق) في عام 2006م، وتلا ذلك حملات من مؤسسات وشخصيات عديدة لبث الكراهية علناً منها: الدعوة لإرسال صواريخ لتدمير الكعبة المشرفة، وقيام المجندات بالمساس بالقرآن أمام أنظار مسجوني جوانتانامو، والرسوم الدنماركية. وبالتأكيد لم يك تجرؤ بابا روما على نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم ونعته للإسلام بالإرهاب في عام 2006م آخر المحاولات، فقد تلاه مثلاً إعلان وزير إيطالي بطباعة الرسوم المسيئة عل القمصان وتوزيعها على الناس، ودعوة مماثلة لحرق القرآن في كوبنهاجن 2009م، وتهديد القس الأميركي Terry Jones بحرق القرآن في 2010م.
ورغم أن حكومات الدول الغربية لا تقبل الحوار معها لوقف هذه الانتهاكات، فهي تتدخل بكل قوة عن طريق سفرائها ووزراء الخارجية محتجة على أي مقال صحفي أو خطبة مسجد لا تعجبهم، بدعوى أنها تدعو لبث الكراهية والعداء من وجهة نظرهم. وبلغ الأمر في مصر مثلاً خلال الحكم السابق المطالبة بقراءة سيناريو أحد الأفلام قبل إنتاجه! وأمام هذا التناقض، تكتفي دول العالم الإسلامي بالاحتجاجات الشعبية التي سرعان ما تتلاشى في ظل عدم المساندة السياسية.
أنا لا أدعو إلى مصارعة الدول الغربية ولا إلى مقاطعتها، بل على العكس من ذلك، أدعو إلى التمسك بمبدأ مشترك بيننا وهو (الاعتراف بالآخر)، وبالتالي أدعو إلى محاورة السياسيين هناك وجعل هذه الانتهاكات قضية أساسية في الحوار معهم ومع حكوماتهم، لذلك فإن المطلوب من دولنا أن تحتج رسمياً، لأنه يبدو أن سبب استمرار هذا التعدي الصارخ بمقدساتنا هو أننا هُنّا على أنفسنا فجرأناهم على الاستخفاف بنا. وعليها أن تجعل هذه القضية مفصلية تُعامل بالمثل وبنفس القياس الذي يجرمون به نكران أو إهانة تاريخهم، من منطلق وقف كل ما يؤدي إلى بث الكراهية والعداء بين الشعوب، لأن إهمال هذه التعديات على مقدساتنا يعيق مبدأ الحوار والتسامح.