للأسد علاقة حميمة ومميزة مع الدب والتنين. من فرط حبه ووفائه، يرتكب الدب الروسي والتنين الصيني حماقةً خطيرةً بحق الأسد السوري، قد تقضي على ما تبقى من شعبه العربي.

يُحكى أن أسداً كان يجوب الغابة فالتقى بطريقه دباً مُقيداً بالأغلال. اقترب الأسد من الدب بحذر وفك قيده ليذهب كل منهما في سبيله. ذات يوم رأى الدُبْ ذلك الأسد، الذي أنقذه، نائماً تحت شجرة، تحوم حول أنفه فراشة باتت تزعجه، فتذكر الدب الأحمق معروف الأسد واستيقظ الوفاء في قلبه، ليلتقط صخرة كبيرة من الأرض ويقذف بها الفراشة ليقتلها، فقتل معها الأسد، الذي تهشَّم رأسه وتناثرت أنيابه.

الدب الروسي والتنين الصيني يعتبران الأسد السوري وحزبه البعثي الاشتراكي امتداداً لنفوذ المد الشيوعي المنقرض، لذا لجأت روسيا والصين إلى "الفيتو" في الأمم المتحدة لمساندة هيكلها الشيوعي الهش، فألقت بصخرتها الضخمة على الشعب السوري لتنقذ الأسد من الفراشة.

في عام 1547م أصبح "إيفان الرابع"، الذي اشتهر باسم "إيفان الرهيب"، أول دُبٍ يحكم موسكو ليتوج بلقب قيصر روسيا، فامتلك سلطةً طاغيةً على كل روسيا وكان قاسياً على شعبه وكثير الشكوك ويصاب بالجنون أحياناً. في بداية عهده، أنشأ "إيفان الرهيب" قوةً خاصةً من الحرس الثوري، ليبدأ عهده بإرهاب مئات الشخصيات الأرستقراطية وإلقاء القبض عليهم وقتلهم. كان "إيفان" يمنح أراضي ضحاياه لأولئك الذين يخدمونه في الحرس الثوري والحكومة، وقام بإحراق الكثير من القرى والمدن وإعدام زعماء الدين الذين عارضوه، كما قتل ابنه الأكبر في إحدى ساعات غضبه.

في عهد "إيفان الرهيب" أنتشر الفساد والفقر والمرض والبطالة وظهرت طبقات أرستقراطية جديدة. وبعد موته بدأ عصر الاضـطرابات في روسيا بسبب تدهور سلطات القيصر وانهـيارها، وساهمت الحرب الأهلية الداخلـية والفـوضى السياسـية بتمزيق ما تبقى من روسيا.

منذ ذلك التاريخ، استخدمت روسيا "قانون مكافحة الأنشطة المتطرفة"، والقاضي بتكميم أفواه المعارضة وإخراس الصحفيين وتأديب نشطاء حقوق الإنسان. من خلاله تعرض الملايين من أهالي القوقاز والشيشان وإنغوشتيا وداغستان وجورجيا للتعذيب والمعاملة السيئة بغرض انتزاع اعترافاتهم، واستمر اعتقال عشرات الآلاف منهم دون محاكمة عادلة.

كذلك التنين الصيني الذي اعترف مؤخراً بأن حكومته السلطوية كانت أكثر كفاءة في توجيه مسيرة نموها الاقتصادي، لأنها بمنأى عن المساءلة والمحاسبة. إلا أن انضواء التنين تحت سطوة الفساد، مثل صديقه الدب الروسي، أدى إلى تضاؤل إمكانية استجابتهما سوياً لأكثر احتياجات شعبيهما إلحاحاً. وأكبر دليل على ذلك الاحتجاجات العارمة الآخذة في التصاعد في الصين وروسيا والتي ناهزت 90000 عمل احتجاجي سنوي بسبب السخط المتنامي على الفساد وتعسف المسؤولين الرسميين المحليين في روسيا والصين.

وكما كان الوضع المأساوي في عهد "إيفان روسيا الرهيب"، يواجه العالم العربي اليوم مأساة "إيفان سوريا الرهيب". معاناة الشعب السوري أصبحت اليوم لا تقل عن معاناة الشعب الروسي من قمع الحرس الثوري وقانون الغاب وفساد النظام الحاكم وظهور الطبقة الرأسمالية الجديدة وغلاء الأسعار وتفشي البطالة وتدهور الاقتصاد وهجرة العقول وانحسار الطبقة الوسطى وانتشار الرشوة والمحسوبية وفقدان الروح الوطنية.

في روسيا، اعترف المدعي العام "فلاديمير أوستينوف" أن فساد الدب الروسي يتسبب بخسارة 25 مليار دولار سنوياً ويؤدي إلى نسف أسس المجتمع الاقتصادي. كما أدى الفساد الروسي في العام الماضي إلى تهريب رؤوس الأموال خلسة بقيمة فاقت 25 مليار دولار، إضافة إلى خضوع 40 ألف شركة و33% من المصارف الروسية لسيطرة الأوساط الإجرامية وفتح 2000 قضية لغسيل الأموال. وأعلنت النيابة العامة أن أكثر من 10000 موظف روسي، بينهم 1500 ممثل لقوات الأمن، أدينوا في العام الماضي بتهم اختلاس الأموال. كما كشفت وزارة الداخلية الروسية النقاب عن أن الرشوة في روسيا تزايدت بمعدل 300% في عام 2011 بالقياس بعام 2010.

أما التنين الصيني فهو ليس أحسن حالاً من الدب الروسي. في دراسة نُشِرَت هذا الأسبوع، أكد المصرف المركزي الصيني أن المسؤولين الصينيين الفاسدين اختلسوا أكثر من 150 مليار دولار في اأقل من عشرين عاما. وقالت الدراسة إن حوالي 18 ألفاً من كوادر الحكومة الصينية أو الشركات المملوكة من الدولة فروا إلى الخارج أو اختفوا بعدما تلقوا رشاوى تقدر قيمتها الإجمالية بحوالي 135 مليار دولار.

تقرير مؤشر الفساد الذي تصدره سنوياً منظمة الشفافية الدولية في برلين أوضح أن الشركات الصينية والروسية احتلت المرتبتين الأخيرتين في قائمة الشركات المصنفة للتصدير في 28 دولة، حيث تبين من خلال الدراسة، التي نشرت المنظمة نتائجها في 2 نوفمبر2011م، أن القطاعات الصينية والروسية الأكثر فساداً هي عقود الأشغال العامة والإنشاءات.

ولقد استجوبت المنظمة 3000 مسؤول تنفيذي في 28 دولة متقدمة ونامية تم اختيارها حسب قيم استثماراتها الأجنبية المباشرة وصادراتها، فضلا عن أهميتها الإقليمية واحتمال لجوء الشركات فيها لدفع الرشوة لدى تعاقداتها في الخارج. وتوصلت الدراسة إلى أن الرشوة هي الأسلوب الأمثل الذي تستغله الصين في مشاريعها لتحتل المرتبة 27 قبل روسيا التي جاءت في مؤخرة القائمة.

منذ 15 مارس 2011م والأسد السوري يتمادى في قمع شعبه، مما أسفر عن استشهاد 8434 شخصاً ومهاجرة 122 ألف مواطن وفقدان 633 ألف عامل لوظائفهم وخسارة 55% من قيمة اقتصادهم، وما زال الدب الروسي يتمادى في قتل الفراشة.