القرارات الأممية للأسف لا يحكمها (الحق والعدل) بقدر ما تحكمها (القوة والمصلحة). ومع أن ميزان القوة العسكرية والمصلحة الاقتصادية في العالم قد تغير ما بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فإن ميزان مجلس الأمن (المتحيز) لم يتغير، فعلى الرغم من أن بعض الدول الخمس دائمة العضوية لم تعد من القوى الأكثر تأثيرا في العالم على المستوى العسكري والاقتصادي، فإنها ما زالت تحتفظ بامتياز العضوية الدائمة وحق النقض (الفيتو).
حق النقض، وإجهاض القرارات المسمى (بالفيتو) تملكه فقط الدول الخمس دائمة العضوية (الصين، فرنسا، روسيا، بريطانيا، وأميركا) ضد أي قرار يتعارض مع مصالحها أو سياساتها، وأحيانا أخرى لابتزاز خصومها، ويكفي اعتراض دولة واحدة من هذه الدول الخمس لإسقاط مشروع أي قرار يقدَّم للمنظمة الدولية بغض النظر عن عدالته.
ولك أن تتخيل مدى (عدالة) مجلس تشريعي يمتلك واحدا من الأقلية (الخمسة) فيه حق النقض والإجهاض ضد قرارات الأغلبية، ولك أن تتخيل أيضا كيف تصاغ قرارات هذا المجلس قبل أن تخرج للعالم بشكل (باهت) لكي تضمن ألا يعترضها السيد (فيتو). كما أن لك حق تخيل مدى (ديموقراطية) مجلس يستطيع عضو واحد فيه أن (يفتت) قرارات أعضائه الآخرين بـ(الفيتو).
هذا الفيتو الـ(لا أخلاقي) هو المبدأ السياسي لدول (القوة والمصلحة) التي ترفع (الأخلاق والديموقراطية وحقوق الإنسان) شعارا، وتمارس الـ(لا أخلاق والاستبداد والظلم) خيارا. وقد عانت الدول العربية من هذا (الفيتو) كثيرا، وقد كان آخر هذه المعاناة ولن يكون الأخير (الفيتو) المزدوج (الروسي/الصيني) الذي استخدم ضد (الشعب السوري/الجامعة العربية)، من أجل حماية نظام: (يقتل شعبه/يدمر وطنه/يخالف أمته).
وإذا كانت جدلية (السياسة والأخلاق) لا تزال قائمة، وإذا كان هناك من يرى أن الأخلاق ليست لغة للسياسة، وأن السياسة الناجحة هي ما تبرر غايتها الوسيلة، على طريقة (ميكافيللي)، ولا يجد حرجا في أن تتغنى السياسة بالفضيلة ما دامت تخدم الأهداف، وأن تلجأ للظلم لتحقيق ما تطمع إليه، فإن السياسة (السعودية) طوال ممارساتها التاريخية لا ترى لغة للسياسة غير (الأخلاق)، وهذا ما يفسر تميزها وانحيازها الدائم للحق وللعدل لرفع الظلم عن شعوب العالم؛ لأنها ترغب في (أمم متحدة) يسودها (الحق والعدل) لا (القوة والمصلحة)/أمم متحدة تساند (المظلوم) ولا تحمي (الظالم)، و(منظمة دولية) تحقق رسالتها وميثاقها الأخلاقي الذي أعلنته للعالم وللأمم التي رضيت بها.
ولذلك جاء انتقاد خادم الحرمين الشريفين للمنظمة الدولية، ورده على الرئيس الروسي، بمثابة الفيتو الأخلاقي ضد الفيتو اللاأخلاقي (الروصيني) لأن الحدث في سوريا، كما يراه حفظه الله أكبر من أن تبرره الكلمات أو التنسيق أو السياسة، الحدث اختبار لمصداقية الأمم المتحدة وأخلاقها، إذا كنا نؤمن بـ(إنما الأمم الأخلاق ما بقيت).
تتويت:
الموقف الأخلاقي السعودي من الأزمة السورية هو انحياز للحق وللعدل، وهو فخر وشرف لكل مواطن عربي شريف، وسوف تثبت قادم الأيام أن النصر لـ(فيتو الأخلاق) في نهاية الأمر.