مع اقتراب الصيف من كل عام يثار من جديد موضوع زواج المصيف أو الزواج السياحي ثم يختفي تناوله بعد انتهاء الصيف فكأن تناول هذا الموضوع رغم أهميته لا يعدو أن يكون جزءا من المناشط الصيفية نفسها التي نقوم بها أكثر من كونه ظاهرة بشعة لا بد أن تتضافر الجهود طوال العام لدراستها وبحثها إلى أن تزول بالكلية، ليكون ذلك منسجما مع ما يعرف بأننا شعب محافظ ونحرس الفضيلة حتى لا يتوهم واهم بأن الفضيلة ليست بعيدة المدى وأن معايير المحافظة داخلية وكأنها فضيلة أيديولوجية وليست فضيلة إنسانية، فما يمارسه كثير من السياح في الخارج أمر يبعث على الخجل والعجيب أننا نحاول الحفاظ على خصوصيتنا في الداخل ونهملها في الخارج مع أنها هي التي تعكس صورتنا الحقيقية، فالإحصائيات التي تشير إلى وجود مواليد مهجورين ومتروكين من قبل آبائهم كثيرة ولا توجد أية برامج توعية من خلال منابرنا الدينية ومن خلال إعلامنا تتناسب وحجم هذه الظاهرة فهي موجودة ولكنها ليست بنفس حجم محاربة دمج الأطفال من الجنسين في التعليم، ولم ترتق لتكون وسيلة لتقييم المحاربين لها وإعطائهم تزكيات بناء على ما قدموه في حفظ الأعراض ويحتلون أماكن اجتماعية مرموقة كما هو الحال مع من يحارب تلك الجزئيات الصغيرة.
إن ضعف محاربة الظاهرة يعود لكونه لا يؤثر على الخصوصية في الداخل كما أسلفت ويعود أيضا لعدم وضوح الحكم الفقهي المتعلق بها فبعضهم لا يعرف كيف يحرمها وبعضهم يحرمها من جهة أنها تلاعب، ولم تخرج فتوى تبين أنها حيلة من حيل الزنا لا غير وأن إثم الزنا أقل منها، بل بعضهم يأتي بالخلاف حول حكم النكاح بنية الطلاق وكأنها صورة من صور هذا النكاح مع أنها خارجة عنه بالكلية ويسقطها عليه، فالإشارة إلى الخلاف ومن ثم إنزاله على الواقعة دليل على عدم المهارة في إنزال الخلاف على الواقعة وهذا الإنزال مهم كأهمية إنزال النص على الواقعة وكل هذا بسبب غياب الاجتهاد التجديدي والذي من شأنه أن يحدث صورة فقهية جديدة غير موجودة في السابق لتكون قاعدة تقاس عليها هذه الأنكحة الجديدة، فمثلا حينما تكون هناك صورة من صور الشغار يوصف الزواج بأنه شغار كأساس تسند إليه الظاهرة الجديدة ولا نجعل التحريم آتيا من جهة أنه فعل غير أخلاقي أو سلوك خاطئ كما نبرر نحن تحريم هذه الزيجات كقولنا يتنافى مع الأخلاق أو لو علمت الزوجة وأهلها لما أقدموا على تزويجه، فهذه أدبيات وأخلاقيات لا تكفي للتحريم وتوحي للمتلقي بأنه خطأ أخلاقي ولكنه ليس نكاحا فاسدا، فلا بد من وضع أساس فقهي جديد كالنكاح بنية التوقيت لتقاس عليها كل تلك الأنكحة لأن القاسم المشترك بينها هو إضمار التوقيت والعزم عليه عزيمة جادة فأصبح مؤقتا حتى وإن لم يتلفظ به.
إن لهذا الزواج صورتين الأولى وهي التي يكون فيها تواطؤ من الزوج والزوجة وهي الدعارة المقنعة والثانية خداع امرأة عفيفة في تلك البلدان، وهذه الثانية هي التي يعتبرها البعض نكاحا بنية طلاق وأنها أخف من الأولى مع أنها أشنع منها لأنها احتوت على زنا وحيلة وغش بخلاف الأولى فقد احتوت على زنا وحيلة فهي ـ أي الثانية ـ زنا في حق الزوج فقط ووصفه بالزنا قد أتى به القرآن في أكثر من موضع فما من موضع يجيز فيه القرآن الزواج إلا ويعقبه قوله تعالى (محصنين غير مسافحين) أو (محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) فهذه الآيات تبين بشكل جلي حرمة السفاح على شكل زواج فقوله (محصنين غير مسافحين) أي قصدكم الإحصان لا السفاح في ذلك الزواج فهي حال متعلقة بالفعل ولا يمكن أن يكون هناك سفاح في زواج إلا من خلال التحايل والتوقيت فكأنها تتحدث عن الصورتين السابقتين فقوله تعالى (غير مسافحين) للصورة الأولى لأن الدعارة المقنعة سفاح وقوله تعالى (ولا متخذي أخدان) للصورة الثانية لأنه ينطبق عليها مفهوم الخدن، وللأسف لم تخدم هذا المعاني عند المفسرين في السابق بالشكل المطلوب حيث نظر إلى تلك الآيات على أنها نهي عن الزنا وهذا تفسير منفصل تماما عن سياق الآيات لأنها لا تتحدث عن الزنا وإنما عن الزنا في الزواج وهي الصور المنتشرة الآن.