اللقاء الوطني التاسع للحوار الفكري، تحت عنوان الإعلام السعودي، الواقع وسبل التطوير"، كان فرصة مناسبة لطرح الأفكار ومناقشة القضايا المثارة حول هموم الإعلاميين وموقف بعض فئات المجتمع منهم. ومهم جدا بسط القول، بصراحة وصدق، لإزالة الصورة "المغشوشة" التي تصور الإعلاميين في حالة خصومة مع التنمية والإنجازات المتتالية التي تنفذها الأجهزة الحكومية حين يتهم الإعلاميون بأنهم لا يرون إلا "الوجه القبيح" ولا يلفت نظرهم إلا "اللوحة الشوهاء" في خريطة الوطن وأنهم غافلون عن "مخاطر" التركيز على العيوب والتقاط الأخطاء لتحويلها إلى "القاعدة" الثابتة وتضخيم النادر ووضعه مكان السائد والمتعارف عليه.. وأعتقد أن عنوان اللقاء تضمن الاعتراف من الجميع بضرورة إعادة النظر في وسائلنا التنموية من وقت إلى آخر وهو منهج يتفق مع طبيعة الحياة وتجدد قضايا المجتمع واحتياجاته ووسائل التعبير عنها.
وقد انتهى اللقاء إلى المطالبة بإعادة النظر في نظام المطبوعات وتطويره بما يتناسب مع المرحلة، بكل ما يصاحبها من متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وما أدخلته ثورة الإعلام الجديد من سرعة التواصل بين الأجيال وما يوفره من "بدائل" تسهل انصراف الشباب عن الإعلام التقليدي – الرسمي بصفة خاصة- إذا لم يجدوا فيه ما يستجيب لواقعهم ويلبي احتياجاتهم. وأوصى اللقاء بضرورة بناء الثقة بين الإعلام والمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع حتى لا يبدو وكأنه "ضد" النجاحات والإنجازات. ودعا إلى إيجاد القوانين والتشريعات المنظمة للحريات "المنضبطة والمسؤولة"! التي تراعي الثوابت الشرعية والوطنية وتستوعب المستجدات وتحفظ الحريات لينتج عنها "ميثاق شرف إعلامي"..
في البدء، أريد أن أسجل أنني لست منزعجا من "النزاع" المثار بين وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية، في عمومها، لاعتقادي أن طبيعة الإعلام ومهامه لا تتفق مع أسباب رضا هذه الأجهزة بل إن "رضاها" يعد عيبا ونقصا في أداء مهمته باعتباره إحدى "أدوات الرقابة" في المجتمعات المدنية التي تلاحق الأجهزة التنفيذية وتكشف ضعفها وعيوبها بل وانحرافها إذا استدعى الأمر.. ولا بد أن أبادر – أيضا- إلى أنني لا أزكي أخطاء الإعلام المحلي وحالات تجنيه على بعض الأجهزة التنفيذية ووقوعه في الأخطاء وضعف معالجاته المهنية في بعض الأحيان.. أقول هذا حتى لا يتصور البعض أن "الشكوى المتبادلة" بين الأجهزة الحكومية والإعلاميين "حالة سعودية" خاصة تشير إلى "كارثة" تهدد الأمن وسلامة مؤسسات المجتمع واستقراره وتستدعي التدخل "لإسكات" الخلاف بقوة النظام أو بقوة "ميثاق شرف" ينتقص من الحقوق الطبيعية للإعلام وأهله ويضعف دورهم في التنمية، بمفهومها العام.
والسؤال الأساس الذي استدعى هذه السطور هو: هل نحن في حاجة إلى ميثاق شرف مهني لإدارة العلاقة بين وسائل الإعلام ومؤسسات وأفراد المجتمع أم نحن في حاجة إلى قوانين وتشريعات تضبط هذه العلاقة ويخضع لها الجميع بلا استثناء؟. لن أنفي، بالمطلق، فائدة المواثيق المهنية بين أهل كل صناعة، لكنني أعتقد أن التشريعات العامة وسيادة القانون هي التي تترك أثرها الإيجابي والسريع على العلاقات بين القوى الفاعلة في المجتمع ويزداد تأثيرها الإيجابي كلما اتسع الوعي بها والرجوع إليها عند الاختلاف والخضوع لها واحترام أحكامها. ثم تصبح الثقافة والقيم ومتطلبات المهنة عوامل مساعدة على تقليل الأخطاء. وهنا أجدني متفقا، جزئيا، مع معالي الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام حين قال لهذه الصحيفة: "إن الإعلامي لا يحتاج إلى أوراق أو بنود لعمل ميثاق شرف للمهنة". طبعا ظاهر من كلام الوزير أنه "يستنهض" الحس الخلقي في الإعلامي الذي تربى في مجتمع ينبذ خطابه السائد الكذب والتدليس والنفاق والتجني على الآخرين، لكنني أعتقد أن "الركون" إلى ضمير الإعلامي لتأسيس "روادع" تحمي المجتمع من أخطائه ليس كافيا وحده، كما أنه ليس كافيا ولا منطقيا أن نعتمد على ضمير الموظف العام في أداء مهامه دون قيد النظام وأجهزة الرقابة.. إذاً الطبيعي، والمؤكد من التجارب الإنسانية، أن صيانة وحماية حرية التعبير في ظل البيئة القانونية المحمية بصرامة وعدالة التطبيق هي "الميثاق" الإعلامي الدائم وهي الضمان الحقيقي لإيجاد إعلام وطني قادر على المساهمة في برامج التنمية بما يحقق تطوير الإنسان والمكان. وهذا لا يعني، مطلقا، الدعوة إلى صرف النظر عن البرامج المهنية التي تزيد من وعي الإعلاميين بقضايا مجتمعهم وتساعدهم على التفاعل معها والاستجابة لدواعي الظرف وتقدير أهمية تسليط الضوء على المنجزات. هذا مهم جدا والعناية به قد تساعد الرؤية المستقبلية والهدف الأساس وهو إيجاد إعلام مهني حر تحميه القوانين والتشريعات المطبقة من أي تفسيرات تقمعه أو تثنيه عن القيام بدوره كما تحمي مؤسسات المجتمع، بكل أنواعها من "سطوته" وأخطائه.