قرأت بعض مقالات الأساتذة والأصدقاء الأعزاء (قينان الغامدي والروائي عبده خال) عن الدواء المعجزة الذي خرج به (العلامة) ذائع الصيت، والذي بات يزاحم الأطباء مؤخراً على لقبهم! والذي بلغ صدى اكتشافه أعماق البلاد الجرمانية والأميركية. بل وتجاوزها إلى أقاصي القطب الشمالي وجماعة الإسكيمو. وهذا الموضوع قديم قدم عام 2006. وهو العام الذي أكد (العلامة) توصله لاكتشافه. وتجربته على البشر.
لم أستطع حقيقة منذ إعلان (العلامة) لاكتشافه قبول مثل هذه التصريحات النارية. خاصة فيما يُعنى بالجوانب المتعلقة بالطب والاستطباب. وقد شدني تناول الأستاذين للموضوع. فتذكرت حادثة أنا شاهد بشحمي ولحمي على تفاصيلها. وتتعلق تلك الحادثة بأدوية (العلامة) الخارقة التي قيل إنها ما إن تضعها في فمك حتى تشم رائحة التعافي. وقد شاءت الظروف أن أزور صنعاء في الأشهر الثلاثة الأولى عام 2009. وأن أشهد قصة صديقي الطيب (عبده) وزوجته مع أدوية (العالم) المعجزة. تعاني زوجة (عبده) المسكينة من مرض (اللوكيميا أو سرطان الدم) جنبكم وجنبنا الله إياه. وقد أخبرني أنه سئم مراجعة المستشفى وتكاليفها خاصة في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة، وأنه وزوجته قررا الذهاب إلى بيت (العلامة). فقد بلغه أن مرض زوجته سيشفى خلال أسابيع بفضل أدوية (العلامة) نصحته ألا يصدق مثل هذا الهراء وأنه لاشيء علمي وحقيقي تسند أو تستند إليه أدوية ذلك الرجل، قال: وعلاج الإيدز الذي اكتشفه -بارك الله فيه- وأعلن عنه للعالم، وتحدى علماء أمريكا وأوروبا واليابان وووو. قلت: الرجل إلى هذه اللحظة لم يكشف عن شيء سوى الكلمات فقط، لم يقتنع الرجل بكلامي وذهب (بزوجته المسكينة) التي كانت قد تحسنت بعض الشيء في المستشفى، وانخفض لديها معدل ارتفاع الداء من (68%) إلى ما نسبته (36%) في اليوم التالي اتصل بي (عبده) ليقص علي هول ما شاهده من مجاميع البشر المتزاحمين أمام منزل (الشيخ). قال: شاهدت لوحات السيارات من كل البلدان. (قلت في نفسي ياساتر كم نحن فقراء ومساكين ونشعر بالغربة في دواخلنا). وتابع: لم نقابله لأنه كان مشغولاً. فقابلنا أحد الموظفين واقفاً خلف فتحة شباك. شرحنا له حالة المريضة، وقدمنا له ملفاً بنتائج الفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية التي يطلبونها، عدنا في اليوم التالي لأخذ الجرعة فناولنا (الساقي) (كما يسمونه) كوباً به خلطة الوصفة السحرية لتشربه دفعة واحدة. وقد تجرعت أم العيال ما بداخل الكوب وتوكلنا على الله، ولم يسمح لنا بأخذ الكوب الخالي معنا نهائياً. ولا أخذ الدواء في زجاجة لخارج الدار! وقالوا لنا أن نأتي في الغد في نفس الموعد. بعد 10 أيام أجرينا تحليلاً بالمستشفى فوجدنا نسبة الداء قد ارتفعت إلى (78%). فذهبت على إثر ذلك لمقابلة (المعالج) وأخبرته بما كان من نتيجة الفحص فأجاب مبتسماً كعادته: (ماضر نفع)!!. وأكد على ضرورة مواصلة أخذ الجرعات. ولكن بحلول اليوم الـ(28) فجأةً أصيبت زوجتي المسكينة بإعياء شديد تبعه حالة إغماء تام، فنقلتها مسرعاً إلى المستشفى، وبعد الفحوصات وجد الأطباء أن معدل الداء قد ارتفع بنسبة خطرة ومخيفة جداً. ولولا لُطف الله بها وببناتها الخمس لفقدناها إلى الأبد.
هذه القصة التي أوردتها لكم، هي واحدة من مئات القصص المحزنة التي ماتزال تحدث يومياً على أبواب أدعياء التطبيب. والغريب أن يتحفظ أمثال هؤلاء على أدويتهم المزعومة تلك، ولا يسمحون بإخضاعها للفحص العلمي والتحليل المخبري. ويهاجمون كل من تسول له نفسه المساس بسمعتها (المؤلمة)!
في الواقع أستغرب إصرار (المعالج العلامة) على (كتم) أمر فيه نفع للناس ودفعٌ للمضار كما يزعم؟! ألا يرغب في كسب الأجر العظيم من الله؟! ألا يعلم أن من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة؟! ألا يرغب في تخليص البشرية من فتك الفيروسات بها؟! أليس هو من يدعو الناس للتعاون والتكاتف والبذل والعطاء؟!
مشكلتنا نحن العرب أننا مازلنا نؤمن بهلوسات كل من هب ودب. وكعادتنا نلغي العقل ونغيبه عن معظم ما يدور في حياتنا تقريباً، ونسخر كثيراً من أنفسنا، كأنما ضاقت علينا الأرض بما رحبت. المأساة تتكرر على نقوش دولاب ساقية حياتنا. إنها رغبتنا في تصديق الوهم والحقيقة هكذا نعيش تفاصيل يومياتنا في أحايين كثيرة. وحين تأتي مثل هذه الدعوات على لسان مدع للتدين فإن التسليم بما جاء به شيء مُسلمٌ به عند الكثيرين. وهو نتيجة للطبيعة الدينية التي تصبغ مجتمعاتنا العربية. فنحن نكرر كثيراً في أحاديثنا اليومية عبارات (السلام عليكم _ ماشاء الله _ صلّ على النبي _ بالله عليك _ بارك الله فيك ....إلخ). وهذا أمر طيب يميز مجتمعنا المسلم، ويمنحه وجهاً متفرداً بذكر الله في كل حين. لكن أن يُستغل مثل هذا الجو الروحاني بطريقة لا تليق بالمعنى الحقيقي له، فهذا استخفاف بكلمة الحق التي يثق في صدقها ويقينها الإنسان المسلم. ويعطيها مساحة عظيمة في أدق لحظات تنفسه. ويمكنها من إدارة شؤون حياته. فهل نفيق من حمى لهاثنا وهرولتنا خلف كل مدعٍ بهذه الطريقة البشعة. التي لا تُعبر عن وعي أو مسؤولية. على الإنسان أن يوقن بقدرة الله على الدوام، ولكن عليه ألا يسمح باستغفاله وهز صورة الإنسان المؤمن بداخله. هكذا سنقدم الوعي لأجيالنا القادمة.