لن تحتاج سوى استخراج شريحة اتصال، وتطبع رقمها على عشرات الأوراق وتعلقها عشوائيا على جدران الأسواق والمحلات التجارية والمكتبات والمرافق الحيويّة التي ترتادها الأسر بكثافة لتبدأ أولى خطواتك، وتصبح "مدرسا خصوصيّا" ، في مثل هذه الأيام التي تواكب امتحانات نهاية العام، أما إذا كنت لا تحمل الشهادات المؤهلة للتدريس، فليس هناك ما يدعو للقلق، لأنه لن يسألك أحد من "زبائنك" ولن "يدققّوا" في شهادتك الدراسيّة.

بهذه الطريقة ينشط هذه الأيام معلمون "جميعهم مقيمون"، للحصول على كعكة الموسم من الأسر التي تسعى للحصول على نجاح أبنائها وبناتها لتفادي الإخفاق في الامتحانات.

وينتعش هذا النشاط على الرغم من تحذيرات وزارة التربية والتعليم الذي تعتبره مخالفا، وتتيح الفرصة للطلاب بالالتحاق بمراكز الخدمات التربوية "مجاميع التقوية" عبر مراكز متخصصة تشرف عليها الوزارة، ويقوم بالتدريس فيها معلمون من منسوبي التربية والتعليم وبرسوم رمزية، إلا أن هذه المحاولات لم تفلح بسبب ضعف وعي بعض الأسر التي تلجأ لهؤلاء "المدرسين الخصوصيين" مما يدفعهم لمواصلة نشاطهم. تقمّص محرر "الوطن" دور "مدرس خصوصي" تارة، ودور "رب الأسرة" تارة أخرى لكشف خفايا هذا النشاط، قبل أن يكشف هويته الصحفيّة في المرة الثالثة، وحينها يرتبك بعض هؤلاء، ويرفضون الإفصاح عن العديد من المعلومات عن نشاطهم.


أنت سعودي؟ ... ما نبيك !

في المرّة الأولى وضع محرر "الوطن" رقم هاتف اشتراه بثمن بخس من محل اتصالات لم يشترط تسجيل الاسم، وذيل بعبارات "مدرس خصوصي لما قبل الامتحانات" ، وعلق بضع أوراق على واجهات مكتبات مدرسيّة وأسواق تجارية، فاستقبل عددا من الاتصالات الراغبة في التدريس الخصوصي غالبيتها في المرحلة الثانوية في تخصصات "الرياضيات والإنجليزي والفيزياء والكيمياء" وكان شرط المتصلين الوحيد نجاح أبنائهم، فيما يكون التفاوض على السعر آخر اهتماماتهم.

وفي إحدى المرات "اتصلت سيّدة" وبمجرد الرد عليها فاجأت بقولها "أنت سعودي؟ ما نبيك !" وأغلقت الهاتف، في مشهد يكرّس النظرة المعروفة عن عدم رغبة الكثير من الأسر في التعامل مع "السعودي"، فيما لا تجد حرجا من التعامل مع المقيمين، مما دفع المحرر أثناء الرد على المتصلين بالاعتذار والتعلل بازدحام الجدول، أو بعدم الرغبة في التدريس، وذلك للخروج من حرج المتصلين. وأوضح عدد من المتصلين والأسر حينما كشف المحرر عن هويته الصحفية أنهم مضطرون للمدرسين الخصوصيين لفشل أبنائهم في فهم بعض المواد الصعبة التي تحتاج إلى تكثيف المراجعة قبل الامتحانات.


100 ريال في الساعة

وفي المرة الأخرى حينما تقمص المحرر دور رب الأسرة، رصد كميات كبيرة من الإعلانات المعلّقة على جدران الأسواق والمحلات التجارية والمكتبات والمرافق العامة، وبالاتصال على عدد منها لم يكن بينهم أي سعودي، وأن جميعهم من ثلاث جنسيات تتقدمها "المصرية" بنسبة كبيرة ثم "السوريّة" فالسودانية, ويطلب غالبيتهم 100 ريال للساعة الواحدة أو 500 ريال لكامل المنهج مع إمكانية المراجعة المكثفة ليلة الامتحان، فيما يعتذر بعضهم لوجود إقبال كبير على نشاطهم، ولا يجدون وقتا كافيا لتلبية كل طلبات زبائنهم.

دروس للنجاح فقط

المقيم عبدالعزيز عبدالنبي حرص على الحديث لـ"الوطن" حينما كنّا نقوم بتصوير بعض الملصقات على جدران أحد المحلات، وذكر أنه يعمل سائقا لدى أسرة سعودية، وأبدى تذمرا من النشاط المخالف لـ "المدرسين الخصوصيين" قائلا إن بعض المعلمين المقيمين المتعاقدين مع المدارس الأهلية يتحمّلون جزءا كبيرا من المسؤوليّة، حيث إن لدى كفيله أبناء يدرسون في المرحلتين المتوسطة والثانوية، ويطلبون أن يدرّسهم نفس معلمهم الصباحي الذي يشرح لهم الدروس في المدرسة.

وأضاف أن معلمهم في إحدى المواد طلب من طلابه أن يتعاقدوا معه ليعطيهم دروسا خصوصية في منازلهم، ووعدهم بألا يشرح لهم سوى المواضيع الهامة التي يمكن أن يتضمّنها الامتحان، وبذلك يتم تخريج طلاب مستواهم التعليمي متدن بسبب أن الدروس التي يتلقونها هي "للنجاح" وتجاوز الامتحان فقط. ولفت عبدالعزيز إلى أن "كفيله" يحضر معلمين خصوصيين، ويطلبون من 2000 ريال إلى 3000 ريال لشرح كامل الدروس خلال الفصل الدراسي أو100 ريال للساعة الواحدة.

صورة سلبية

ويضيف المواطن سعود العتيبي أنه "عطفا على ضرر الدروس الخصوصية "تعليميا" واعتماد الطلاب على الحفظ المؤقت لتأدية الامتحان، فإن الإعلانات التي تملأ الشوارع تعكس صورة سلبية غير حضاريّة عن المدينة، وتشوّه المنظر العام، وتعكس مدى العشوائية التي يمارسها هؤلاء المقيمون من أجل الكسب المادي". فيما يشير المعلم عوض الرشيدي إلى أن بعض المقيمين يسيئون لمهنة التعليم بهذه الطريقة، وبعضهم لا يحمل مؤهلات التدريس، وآخرون ربما يحملون شهادات مزوّرة لإقناع زبائنهم.

ولفت الرشيدي إلى أنهم كمعلمين يبذلون كامل جهدهم لشرح الدروس للطلاب أثناء الحصص، ويراجعون معلوماتهم باستمرار، لكن بعض الأسر تنجرف خلف المعلمين الخصوصيين، دون إدراك بمدى الضرر المترتّب عليهم، حيث يعتمد الطلاب على ما يقدمونه من شرح قبل الامتحانات حتى يتجاوزوها، وبعدها ينسون ما حفظوه، وتكون النتيجة تخريج طلاب غير مؤهلين.





نشرة خاصة

من جهتها، أعلنت وزارة التربية والتعليم في أكثر من مناسبة محاربتها للدروس الخصوصية، كان آخرها إصدارها لنشرة خاصة عن المناهج الجديدة التي تم تدريسها هذا العام، قالت فيها إن المناهج لا تحتاج إلى مدرس خصوصي، وتم تصميم مواضيعها لتكون متسلسلة وواضحة، ويتم الانتقال من موضوع لآخر بيسر وسهولة، ويهتم الكتاب ببناء المهارات من خلال التفاعل الصفي المستمر بين الطلاب ومعلميهم.

وكانت إمارة منطقة الرياض نبهت العام الماضي إلى خطورة هذه الملصقات بعد رصد الجهات الأمنية لقضايا أمنية وأخلاقية نتيجة انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، وتلقت حينها كل من وزارات التربية والتعليم والتجارة والثقافة والإعلام، وأمانة منطقة الرياض ومكتب العمل والغرفة التجارية وشرطة منطقة الرياض تعميماً من الإمارة أكدت فيه السلبيات الأمنية والاجتماعية والأخلاقية للدروس الخصوصية من حيث استدراج بعض طلاب المراحل التعليمية الأولى إلى منازل المدرسين، وبعضهم من يقيم بصفة غير مشروعة، إضافة إلى السلبيات التربوية والتعليمية عن ممارسة هذا النشاط.