لم يكن الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد فوق نقده النافذ إلا متنبئا خطيرا بحادثات الزمان، وكأنما يمثل عمق الشباب وفكره وآلياته التي نلمسها ونعايشها اليوم فيما يسمى الإعلام الجديد الذي أتاح للشباب مساحة رحبة يتناولون فيها قضاياهم وقضايا مجتمعهم عبر الوسائط التقنية والفنية التي جعلت من بعض الشباب العربي رموزا قيادية صنعت مجدها في مسيرة الربيع العربي الثائرة.
لقد كان صوت الشباب حاضرا وبقوة في اليومين السابقين اللذين احتضنت خلالهما منطقة حائل الحوار الوطني التاسع المعني بالإعلام الجديد، وحضور ذلكم الصوت لم يكن عاطفيا أو لمجرد المشاركة فحسب، بل كان مؤثرا وبارزا وأكاد أقول متحديا، فالرهان على الإعلام التقليدي – وهذه وجهة نظر – لم يعد مثمرا في فضاء المعلومة وزمن المهارة والتخصص، ولم تعد الزوايا المثقلة بالمفردات الخشبية المعمرة تستطيع مناقشة مستجدات المكان والزمان في ظل تدفق المعطى الحضاري وعدم قدرة أحد على حجزه أو الحجر عليه.
منافذ وأروقة الإعلام الجديد تتجدد بين لحظة وأخرى، والذهنية الجديدة في التعاطي معها لم تعد تلقائية وإنما قادرة على الاكتساب والنجاعة والاستثمار فيما تبقى رتابة النمط متأخرة مهما كانت حظية وتلاقي دعما مؤسسيا وخاصا.
أما نبوءة طرفة بمستجدات الإعلام فأراها متمثلة في بيته الشهير والذي نقل أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام كان يردده:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وها نحن يوما إثر يوم بل ساعة بعد أخرى نتعرض لكم هائل من المعلومات والأخبار والمتغيرات في غير توقع منّا سابق، وها هي ثورة الاتصالات تثقل جيوبنا بكل جديد عبر أجهزة المحمول وما تفرّع عنها ومنها دون أن تكون لدينا القدرة على الفرز أو الحجب أو حتى الاعتراض.
إذن نحن أمام جيل من "المثقفين الجدد" جيل له آلياته ومراميه وغاياته، كما أن له القدرة على التأثير السريع في مجتمعه وبأيسر الإمكانات وأقصر السبل، ولا أدل على ذلك من موجة الأفلام القصيرة للمخرجين والممثلين من الشباب الناقدة لتفاصيل المجتمع والقارئة لحراكه والساعية إلى إنارة ما أظلم من زواياه.
طرفة بن العبد ذلكم الشاعر الحكيم على الرغم من حداثة سنه يؤسس لجيل المثقفين القادم بقوة، غير أن طرفة غدر وقتل لأن أدواته المعرفية كانت قاصرة عن أن تكشف له عن حتفه الذي يحمله بيده إلى قاتله، فيما شباب الإعلام الجديد ينتصرون له اليوم ويعيدون تأبينه.