محاكمة الإنسان فكرياً بناءً على عاداته أو تقاليده التي نشأ عليها أمر مضحك جداً، وتدل على ضحالة فكر المحاكم. الفكر يرد عليه بالفكر، والكتاب يرد عليه بالكتاب، والسلوك الشخصي يبقى للشخص يمثله ويعود عليه بالنفع أو يضره هو فقط. وإن تجاوز هذا السلوك حدود الكلام إلى الفعل فإن الجهات الأمنية والمختصة هي من تتولى ذلك. أي أن خلافاتنا يمكن أن تنتهي في محيط ضيق وهو محيط الفكر.
من السخرية فعلاً أن تتناقل الصحف أخبار إقامة دعاوى وقضايا من قبل النخب على بعضها. بعض القضايا يرفع وبعضها يقبل. الأمر أصبح تحديا علنياً. هذه مرحلة ما بعد التخوين. وأصبح الأساس هو المحاكمة بالاشتباه.
البعض أصبحوا الآن يلجؤون إلى القضاء ويؤمنون بعدالته! هذا هو الكذب الصريح، وهذه هي السخرية بالقضاء. كيف يحق للمتصارعين استخدام القضاء مدحاً وذماً فيه بناءً على حاجاتهم الخاصة؟ لهذا لن يتطور الجهاز القضائي في ظل وجود من يحسن الصورة ويشوهها في أعين الناس. وفي الحقيقة أن القضاء يعمل ويحاول التطوير، لكن الصورة النمطية هي السلبية التي يرسمها صاحب المصلحة من تشويه القضاء ومن ثم اللجوء إليه لحاجته الشخصية وليست الوطنية.
مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يقيم حواره التاسع عن حرية الإعلام ومسؤوليته، ومعظم المتحاورين فيه والمشاركين لهم حضور في شبكات التواصل الاجتماعي، لكنهم حين تأتي القضايا على شبكات التواصل ينحازون لأحد الفريقين، مشعلين نار القضية إيجاباً أو سلباً، وعلى طاولة الحوار الوطني نجد التنظير والمثالية العظمى. ولا أقصد الحوار التاسع تحديداً، ولهذا نحن نكذب على أنفسنا بالحوار وأهميته. ونحن - والضمير عائد علينا نحن الذين لا نعرف من نحن - نقوم بالحوار الراقي على طاولة المركز الوطني، وبعد ذلك نعود للصراع مرةً أخرى لكسب جماهير الإنترنت.
لا تلوموا المتعصبين للأندية الرياضية. لا تلوموا المحللين الرياضيين وضيوفهم المتطرفين لأنديتهم. كلهم يبحثون عن البطولة بالصوت، وهي مجانية، يستطيع أي شخص الحصول عليها، لكن المنطق يغيب، ليصبح سوء الظن هو الأساس والمقدم في أي قول وفعل.
هكذا هم النخب في كل اتجاه.. متعصبون لآرائهم، وأحياناً مصالحهم، وحينها تبدأ محاكمة الأشخاص بدلاً من حوار أفكارهم.