قبل أن يهوي السيف على عنقه، أثلجت البشرى قلبه، حين عفا عنه أهل الدم في ساحة تنفيذ القصاص، حيث انتهت مساعي خادم الحرمين الشريفين وعدد من الأمراء والوجهاء في عدد من المناطق صباح أمس، بالعفو عن الجاني عبدالعزيز إبراهيم العنزي الذي أقدم على قتل أحد زملائه إثر مشاجرة جماعية بمحافظة العلا.
وكانت العائلة قدمت أول من أمس إلى المدينة المنورة من قريتها العذيب (7 كيلو مترات شمال محافظة العلا) وقلبها يعتصر حزناً لتترقب بأسى لحظات توديعها لابنها الذي أقدم على جريمة في لحظة غضب دفاعاً عن أخيه الذي نشبت بينه وبين زميله بالمدرسة مشاجرة تحت كبري فندق أراك بالعلا فضرب القتيل بعصا أودت بحياته.
عبدالعزيز الطالب بمتوسطة محمد بن القاسم نذر أن تكون أولى خطواته بعد خروجه من السجن الذهاب لميقات ذي الحليفة للإحرام متوجهاً لمكة المكرمة لأداء نسك العمرة والشكر على رحمته به أن كتب له حياة جديدة بعد أن فقد الأمل، خاصة أن عددا من الوجهاء حاولوا الإصلاح إلاّ أن محاولاتهم باءت بالفشل.
"الوطن" أجرت اتصالاً بالمعفي عنه عبدالعزيز إبراهيم إلاّ أنه رغم عدم رده على الاتصالات المتكررة كانت نغمة "صدى" لجواله معبرة عن حاله حيث كانت دعاء يقول "يا فرجنا إذا أُغلقت الأبواب ويا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب، وحيل بيننا وبين الأهل والأصحاب".
العميد متقاعد ندا الخمعلي أحد أقارب القاتل أكد لـ "الوطن" أن تدخل خادم الحرمين الشريفين والأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز وأهل الخير بالوجاهة والشفاعة عند أهل الدم الذين استقبلوهم استقبالاً يليق بأصحاب الوجاهة من الأمراء ووجهاء العشائر وشيوخ القبائل وأصحاب الفضيلة من محافظة العلا، مضيفاً أنه كان هناك نوع من التردد في العفو إلاّ أن الجهود المضنية لاستكمال الشفاعة تجير للأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز الذي واصل مع ولي القتيل الشيخ متعب هاتفياً منذ الثامنة صباحاً وحرصا منه على ترسيخ مفهوم العفو والتسامح بالمجتمع السعودي، حتى توجت بعفو من ولي الدم في ساحة القصاص قبل أن يحل السيف على رقبته، مؤكداً أن والد القتيل رفض قبول أية مبالغ مادية حيث عرضت ملايين الريالات إلاّ أنه ابتغى في عفوه الجزاء من الله تعالى.
مضيفاً أن الأمير تركي بن طلال نقل بشارة العفو لوالد المعفي عنه إبراهيم العنزي باتصال هاتفي مما كان له وقع كبير، حيث امتزجت فيه الدموع بالشكر والثناء لله ثم لولاة الأمر ولصاحب القرار الجريء ولي الدم، كما أن الأمير تركي قام بالاتصال بالمعفي عنه عبدالعزيز وهنأه بالعفو داعياً له بالتوفيق.
وثمن الخمعلي مساعي خادم الحرمين الشريفين والأمراء وأمير منطقة المدينة المنورة والوجهاء بإعتاق رقبة ابنهم من القصاص، وقال "إن خادم الحرمين الشريفين رجل الإصلاح رسخ خلال الأسبوعين الماضيين مفهوم العفو والتسامح بعفو أولياء دم عن ثمانية من المحكوم عليهم بالقصاص".
ومن جانبه، ذكر المعلم متعب البدراني لـ "الوطن" أنه درّس عبدالعزيز قبل 6 أعوام بمتوسطة محمد بن القاسم، مؤكداً أنه كان من الطلاب المشهود لهم بحسن الخلق والهدوء ولم يكن من الطلاب المشتهرين بكثرة المشاكل أو الخلافات مع زملائهم، مشيراً إلى أنه تأثر كثيراً عند معرفته بأنه سينفذ فيه حكم القصاص (أمس)، مبديا فرحته بنبأ العفو عنه الذي وصله من أحد زملائه، مضيفاً أنه زاره في السجن وأن عبدالعزيز هاتفه أمس من السجن معبراً عن فرحته بذلك وطلب منه زيارته عند خروجه من السجن، وأخبره أنه نذر لله نذراً أن تكون أولى خطواته أن يغادر إلى الميقات لأداء العمرة. وثمن البدراني لأهل القتيل ولكل من سعى للعفو والإصلاح جهودهم داعياً بالرحمة والمغفرة للقتيل.