الحديث بالأرقام حديث محبب لأنه يكشف الصدق.. قد لا تكون الأخبار التي تنقلها الأرقام مفرحة.. لكنها صادقة وليس هناك أحب من حديث صادق حتى ولو كان مراً.. ولذلك تم الإصغاء للمهندس عادل فقيه وزير العمل بآذان مشنَّفة وهو يتحدث في منتدى التنافسية في جدة يوم الاثنين 14 ربيع الأول 1433 الموافق 6 فبراير 2012 وهو يتصدى لمشكلة مؤرقة في بلادنا هي مشكلة البطالة التي قال عنها:"إن التحدي الذي يواجهنا مازال كامناً في خلق فرص عمل جديدة للمواطنين السعوديين في القطاع الخاص، إذ إننا بحاجة لخلق ثلاثة ملايين فرصة عمل مع حلول 2015 وستة ملايين بحلول 2030". وحدد ثلاث مبادرات لتنفيذ هذا الهدف أو الوعد الذي قطعته وزارته لمعالجة ثلاثة تحديات تحول دون تحقيقه هي:
الأول: معالجة الطلب على الوظائف بمبادرات قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد بإحلال جزء من 8 ملايين وظيفة التي يشغلها الوافدون في المملكة العربية السعودية، وعلى المدى الطويل توليد وظائف إضافية عالية الجودة وتحقيق النمو.
الثاني: توفير فرص العمل عن طريق توفير عمالة وطنية مدربة تدريباً عملياً. وأشار إلى نسبة تأهيل تبلغ 45% بينما تبلغ النسبة في المملكة العربية السعودية 9% من الفئة العمرية الواحدة التي تتخرج في السلك المهني.
الثالث: تنظيم آليات السوق عن طريق قيام وزارة العمل برفع كفاءة آليات المواءمة بين العرض والطلب في سوق العمل وربط الباحثين عن الفرص المتاحة للتوظيف في السوق.
وتحدث وزير العمل عن آليات وطرق وأساليب ستقوم بها وزارته للوصول إلى هذا الهدف.. وأهم ما لفت نظري في تلك الآليات والطرق والأساليب هو فقرة "السياسات"، وأقول إن مفردة "سياسات" التي وردت في حديث وزير العمل هي ما يجب أن يكون محور ارتكاز خططه التي عرضها لتعلق كل تلك الخطط على هذا العمود بحيث لا يأتي وزير بعده ويلغي مشروعاته فيأتي عام 2015 ولم تتحقق الـ3 ملايين وظيفة ويحل عام 2030 ولا نقول لم تتحقق الـ6 ملايين وظيفة بل قد لا تتحقق نسبة معقولة منها مثل ما يحدث لخطط بعض الوزارات.
همسة في أذن الوزير وهي: أتمنى أن تُقَر هذه السياسات من أعلى سلطة في الدولة حتى لا يكون للوزير القادم الحق في إلغائها أو استبدالها أو البدء من المربع رقم واحد كما هو الحال في كل وزاراتنا لكل قادم جديد إليها وكأن العاملين الذين قبله مثل الكراسي التي يجلسون عليها.
دعونا نستعرض بعض الإحصائيات للوصول إلى عمق مشكلة البطالة في بلادنا.. نعود للأرقام مرة أخرى حيث يشير الكتاب الإحصائي الصادر عام 2010 إلى أن متوسط النمو السكاني يبلغ 3.2% بين تعداد 2004 والبحث الديموغرافي عام 2010 ويعني البحث الديموغرافي الزيادة من المواطنين والوافدين.. كما يبلغ عدد سكان المملكة 27.143 مليون نسمة منهم 18.71 مليون سعودي و 8.43 ملايين وافد بنسبة 68.94% و 31.1%من إجمالي السكان على التوالي. والسؤال المطروح أمام وزارة العمل في ظل مشروعها النوعي الذي سيوفر 3 ملايين وظيفة خلال 3 سنوات أي بحلول 2015 في ظل وجود مشروعات وطفرة اقتصادية أدت إلى وجود 8.43 وافد وافد كيف يمكن إحلال 3 ملايين مواطن إذا افترضنا ثبوت واستقرار المشروعات التي تنفذ خلال هذه الفترة وعدم ارتفاع نسبة المشروعات التي تتطلب عمالة وافدة.؟
بمعنى آخر: هل يمكن إحلال 3 ملايين خلال ثلاث سنوات أم أن هناك مشروعات جديدة ستخلق الـ3 ملايين وظيفة مع استقرار الأعداد الوافدة أو ربما زيادتها إذا زادت المشروعات التي تنفذ في البلاد؟
أعترف بأن لدي مشكلة كيفية توفير ثلاثة ملايين وظيفة خلال أقل من ثلاث سنوات كما رجائي ودعائي المخلصين أن يتحقق هذا الحلم.
والسؤال الآخر: إذا كان بالإمكان توفير 3 ملايين وظيفة خلال أقل من ثلاث سنوات فلماذا يستغرق توفير 6 ملايين وظيفة خمسة عشر عاماً، أي بحلول 2030؟
أنا هنا أحُكِّم المنطق وأثير الاستفسارات خوفا من أن تكون هذه الخطط غير واقعية ومن قبيل القصص الجميلة وإلا فإنني مبتهج كل البهجة ومسرور كل السرور لهذه الأهداف المدعمة بالأرقام التي عرضها الشخص الأول على رأس هرم وزارة العمل الذي يعي تماماً أنه لو لم يكن متأكداً لما أشهد كل حضور منتدى التنافسية العالمية التي تحضر مؤتمر عام 2012 على أقواله.
أَما أن وزير العمل قد قال ما قال وعرض ما عرض وأبهجنا بهذه الأخبار السارة.. فإننا أولا نقدر له كل التقدير هذه البشارة بالقضاء على مشكلة البطالة وإصابتها في كبدها في مقتل، لأنني وأظن معي الجميع متأكدون من أن توفير 3 ملايين وظيفة خلال أقل من 3 سنوات سيقضي على البطالة.. لاشك في ذلك والأمر الآخر، أننا كمواطنين أمام هذه الأخبار المبهجة سواء رجال أعمال أو مسؤولون بكل المستويات لا بد أن نقف خلف وزارة العمل داعمين ومؤيدين ومشاركين لكي تنجح خطته.. لأن مشكلة البطالة تهم كل فرد منا..فمشكلة البطالة مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. بكل ما في تلك الجوانب من مشكلات مُؤرِقة نعرفها جميعاً ولا مساحة متوافرة للحديث عنها.. وخلاصة القول: نتوجه لوزارة العمل بالدعاء من الأعماق بأن يوفقها الله في تحقيق هذا الحلم.. ونتوجه إلى كل مواطن له علاقة بهذه القضية أن يساعد على الوصول إلى تلك الأهداف.. وسنتطلع جميعا بإذن الله إلى ذلك اليوم الذي نحتفل فيه مع وزارة العمل بآخر عاطل.