الفضول والقلق والحنين تشكل معا أبرز ملامح الكثير من المقيمين المصريين الذين يحزمون حقائبهم، ويستعدون للسفر إلى بلدهم لقضاء إجازتهم السنوية، وغالبيتهم ترك "أم الدنيا" بحال ويعودون إليها بحال مختلف تماما، وقد غيرت ثورة "25 يناير" الكثير من تفاصيل الحياة المصرية على كافة المستويات, ولسان حالهم يقول: بأي حال جئت يا صيف؟
من مطار الملك فهد الدولي بمدينة الدمام تحدث إلى "الوطن" المقيم المصري سيد صابر الذي يعمل مندوبا بإحدى الشركات قائلا منذ أشهر، وتحديدا منذ اندلاع شرارة الأحداث في الخامس والعشرين من يناير الماضي، مرورا بليلة الثاني عشر من فبراير ليلة تنحي الرئيس، وحتى اليوم، والأيام تمر بمزيج من الترقب والخوف على مصر, واصفا شعوره وهو عائد إلى بلاده بالحنين الشديد، والرغبة في معانقة كل شيء في وطنه، سائلا الله أن يديم على الدول العربية والإسلامية نعمتي الأمن والأمان.
المقيم المصري عبدالرحمن مصطفى عبر لـ "الوطن" عن مشاعر متباينة، وهو ينظر في ساعته، يفكر في كسر زجاجها ليحرك عقاربها مستعجلا موعد الإقلاع, قائلا: "وحشتني مصر، وزحمة السرفيس، وعربة الفول المدمس في محطة رمسيس", مشيرا إلى أن إجازة الصيف هذا العام ستكون مختلفة، معربا عن أمله في أن يكون ما يسمعه في الإعلام من انفلات أمني وتوتر غير صحيح أو على الأقل مبالغا فيه, ليستمتع بإجازته مع أهله وأسرته.
وقبل أن تجف دموعه، وهو يودع أحد أصدقائه على باب المطار قال لـ "الوطن" "الحمد له فرحنا بمصر".
وقال مصطفى منصور (موظف بشركة مقاولات بالخبر), "أجلت موعد إجازتي حتى شهر رمضان لأقضي الشهر الفضيل في مصر", مضيفا أنه يحلم باللحظة التي تهبط فيها الطائرة مطار القاهرة ليشاهد بأم عينه - على حد تعبيره- مصر الجديدة, مؤكدا أنه سيتوجه إلى ميدان التحرير بمجرد أن يسلم على أهله، مستبشرا بمستقبل بلده، رغم كل التحديات التي لخصها في حالة "الانفلات الأمني".
أما أحمد علي (مدرس) فقال "فرحت بتنحي الرئيس مبارك، وعندما قلت له "الرئيس مبارك" قال: نعم الرئيس، فقد قدم لمصر الكثير"، وأضاف "أخشى على مصر من الغد، ومن أن يسرق أحدهم إنجازات الثورة.
وعن مشاعره وهو يستعد للسفر إلى أم الدنيا قال "قطعا هو فضول كبير لرؤية مصر بعد الثورة، وملامسة على الواقع ما تبثه وسائل الإعلام عن التغيرات التي حدثت", مضيفا أنه قلق بسبب المظاهرات المتكررة، والاضطرابات التي تؤثر كثيرا على الحالة الاقتصادية.
يشارك أحمد المشاعر مرتضى نور الدين، وأحمد عيد، ويوسف عبدالحميد، الذين أكدوا أنهم كانوا يتمنون مشاركة إخوانهم في ميدان التحرير المظاهرات والفرحة بتحقيق المطالب, ولكنهم كانوا يشاركونهم بدعواتهم وقلوبهم, وأضافوا أنهم يتمنون لبلادهم كل الخير والاستقرار، وأعربوا أن إجازتهم هذا العام سيكون لها طعم مختلف.
ومن مدينة الخبر قال يوسف محمود النمر (محاسب بإحدى الشركات الفندقية) إنه يستعد لقضاء إجازته في مصر بمشاعر متباينة، وخليط من الفرح والقلق على المستقبل، وعدم استقرار الوضع سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، ولم ينس يوسف أن يقدم الشكر العظيم للمملكة العربية السعودية، ودعمها الحكومة المصرية بأربعة مليارات دولار.
ولم تختلف المشاعر كثيرا لدى مجموعة من الجالية المصرية التقتهم "الوطن" بحي البادية بمدينة الدمام، وقد حولوا جلستهم في تلك الليلة إلى حلقة نقاش لا تنقصها سوى كاميرات التلفزيون، وأجمعت الآراء على الشوق الكبير لرؤية مصر ما بعد الثورة، وقد غمرتهم فرحة كبيرة باقتراب موعد عودتهم إلى أم الدنيا، والاستمتاع ب "لمة" الأهل والأصحاب, متمنين لبلادهم أن تبدأ مرحلة جدية من التنمية والتعمير، وقد لخص ذلك أبو العز عبدالرحمن (مهندس شبكات) قائلا: نتمنى أن تنتهي المظاهرات، وتبدأ الإنجازات.
الرأي الرسمي عن الوضع في مصر كان محور حديث السفير المصري في المملكة محمود عوف خلال فعاليات معرض الرياض للسفر الذي انطلق في الثالث والعشرين من شهر مايو؛ حيث بدأ السفير المصري بالحديث عن الظروف التي تمر بمصر الآن، وأشار إلى استقرار الأوضاع الأمنية، خصوصاً في المناطق السياحية، وبداية الانتعاش التدريجي للسياحة. وقال عوف إن الزائر لمصر بعد الثورة سيلمس روحاً جديدة، وتغييرا بدايةً من الاستقبال في المطار إلى التنظيم، وحل كثير من المشاكل السابقة.
وذكر أن التغيير طال أجندة القادم إلى مصر؛ فقد أصبح ميدان التحرير في قلب القاهرة، الذي شهد على مدى ثمانية عشر يوماً أهم أحداث الثورة، مزاراً هاماً يحرص عليه كثير من الزائرين، ودعا وسائل الإعلام إلى دعم السياحة بنقل صورة حقيقية عن الأوضاع الأمنية تجنباً لانتشار الشائعات.
وشدد عوف في حديثه خلال المعرض على أهمية السائحين العرب وخصوصاً السعوديين؛ باعتبار أنهم من أكثر العرب إقامة في مصر، كما أن السائح العربي عموماً أكثر إنفاقاً من الأجنبي.